تمهيد
واعلموا رحمكم الله أن معرفةَ صواب القول في هذه الفصول والأبواب
مما تعم الحاجة إليه، إذ كان أصل الدين وأسّه، وكان مما شهد الكتاب
ببطلانه وجب إلغاؤه واطّراحه، وما أيده ودلّ على صحته لزم الإذعان له
وإثباته، ولأن بالمتكلمين والفقهاء وقراء القرآن وأهل التفسير والمعاني ألمَ
فاقة إلى الوقوف على حقيقة القول في هذه الفصول ومعرفة الصواب منها.
لكثرة تخاليط أهل الضلال فيها، وقصدهم إلى إدخال الشُبهة والتمويه بما
يوردونه منها، وذهاب كثيرِ من حفاظ التنزيل والمتكلمين في التأويل عن
تحقق معرفتها، وحاجة الكل إلى تبين الحق من ذلك والعلم به، والمصير
إلى موجبه.
وقد رأيتُ أن نبدأ بذكر جُمل ما نذهب إليه في نقل القرآن ونظمه.
وقيام الحجة به، وما يقوله المخالفون، ثم نشرع في ذلك حجاجنا ونقض
أقاويل مخالفينا وعللهم، والذي نذهب إليه في ذلك، القولُ بأن جميع
القرآن الذي أنزله الله عز وجل وأمرنا بإثبات رسمه، ولم ينسخه ويرفع
تلاوته بعد نزوله، هو هذا الذي بين الدفتين، الذي حواه مصحف عثمان
رضي الله عنه، وأنّه لم يُنْقَصْ منه شيء، ولا زِيدَ فيه، وأن بيان الرسول - ﷺ - كان بجميعه بياناَ شائعا ذائعا، وواقعاَ على طريقة واحدة، ووجه تقوم به
الحجة، وينقطع العذر، وأن الخَلفَ نقله عن السلف على هذه السبيل، وأنه
قد نُسخ منه بعض ما كانت تلاوته مفروضة، وأن ترتيبه ونظمه ثابتٌ على ما
نظمه الله سبحانه، ورتبه عليه رسوله من آي السور، لم يقدّم من ذلك