الجزء الواحد والعشرون
[تتمة سورة الإسراء]
بسم الله الرّحمن الرّحيم
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٦١ الى ٦٣]وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (٦١) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (٦٢) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (٦٣)
فِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي كَيْفِيَّةِ النَّظْمِ وُجُوهٌ. الْأَوَّلُ: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مِحْنَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ قَوْمِهِ وَأَهْلِ زَمَانِهِ، بَيَّنَ أَنَّ حَالَ الْأَنْبِيَاءِ مَعَ أَهْلِ زَمَانِهِمْ كَذَلِكَ. أَلَا تَرَى أَنَّ أَوَّلَ الْأَوْلِيَاءِ هُوَ آدَمُ، ثُمَّ إِنَّهُ كَانَ فِي مِحْنَةٍ شَدِيدَةٍ مِنْ إِبْلِيسَ. الثَّانِي: أَنَّ الْقَوْمَ إِنَّمَا نَازَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَانَدُوهُ وَاقْتَرَحُوا عَلَيْهِ الِاقْتِرَاحَاتِ الْبَاطِلَةَ لِأَمْرَيْنِ الْكِبْرُ وَالْحَسَدُ، أَمَّا الْكِبْرُ فَلِأَنَّ تَكَبُّرَهُمْ كَانَ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الِانْقِيَادِ، وَأَمَّا الْحَسَدُ فَلِأَنَّهُمْ كَانُوا يَحْسُدُونَهُ عَلَى مَا آتَاهُ اللَّهُ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالدَّرَجَةِ الْعَالِيَةِ، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ هَذَا الْكِبْرَ وَالْحَسَدَ هُمَا اللَّذَانِ حَمَلَا إِبْلِيسَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالدُّخُولِ فِي الْكُفْرِ، فَهَذِهِ بَلِيَّةٌ قَدِيمَةٌ وَمِحْنَةٌ عَظِيمَةٌ لِلْخَلْقِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ: فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً [الْإِسْرَاءِ: ٦٠] بَيَّنَ مَا هُوَ السَّبَبُ لِحُصُولِ هَذَا الطُّغْيَانِ وَهُوَ قَوْلُ إِبْلِيسَ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا فَلِأَجْلِ هَذَا الْمَقْصُودِ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى قِصَّةَ إِبْلِيسَ وَآدَمَ، فَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ فِي كَيْفِيَّةِ النَّظْمِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ قَدْ ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي سُوَرٍ سَبْعَةٍ، وَهِيَ: الْبَقَرَةُ وَالْأَعْرَافُ وَالْحِجْرُ وَهَذِهِ السُّورَةُ وَالْكَهْفُ وَطَهَ وَصَ وَالْكَلَامُ الْمُسْتَقْصَى فِيهَا قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ وَالْأَعْرَافِ وَالْحِجْرِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ وَلَا بَأْسَ بِتَعْدِيدِ بَعْضِ الْمَسَائِلِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمَأْمُورِينَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ أَهُمْ جَمِيعُ الْمَلَائِكَةِ أَمْ مَلَائِكَةُ الْأَرْضِ عَلَى التَّخْصِيصِ؟ فَظَاهِرُ لَفْظِ الْمَلَائِكَةِ يُفِيدُ الْعُمُومَ إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي آخِرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ فِي صِفَةِ مَلَائِكَةِ السموات وَلَهُ يَسْجُدُونَ [الأعراف: ٢٠٦] يوجب خروج ملائكة السموات مِنْ هَذَا الْعُمُومِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ السَّجْدَةِ وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ أَوِ التَّحِيَّةُ، وَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ فَآدَمُ