قوله: سارَ بِأَهْلِهِ
[القصص/ ٢٩]، ولم يجئ في القرآن القسم الثالث، وهو سِرْتُهُ.
والرابع قوله: وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ
[النبأ/ ٢٠]، هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
[يونس/ ٢٢]، وأمّا قوله: سِيرُوا فِي الْأَرْضِ
[النمل/ ٦٩] فقد قيل: حثّ على السّياحة في الأرض بالجسم، وقيل: حثّ على إجالة الفكر، ومراعاة أحواله كما روي في الخبر أنه قيل في وصف الأولياء: (أبدانهم في الأرض سَائِرَةٌ وقلوبهم في الملكوت جائلة) «١»، ومنهم من حمل ذلك على الجدّ في العبادة المتوصّل بها إلى الثواب، وعلى ذلك حمل قوله عليه السلام: «سافروا تغنموا» «٢»، والتَّسْيِيرُ ضربان:
أحدهما: بالأمر، والاختيار، والإرادة من السائر نحو: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ [يونس/ ٢٢].
والثاني: بالقهر والتّسخير كتسخير الجبال وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ [التكوير/ ٣]، وقوله:
وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ [النبأ/ ٢٠]، والسِّيرَةُ: الحالة التي يكون عليها الإنسان وغيره، غريزيّا كان أو مكتسبا، يقال: فلان له سيرة حسنة، وسيرة قبيحة، وقوله: سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى [طه/ ٢١]، أي: الحالة التي كانت عليها من كونها عودا.
سور
السَّوْرُ: وثوب مع علوّ، ويستعمل في الغضب، وفي الشراب، يقال: سَوْرَةُ الغضب، وسَوْرَةُ الشراب، وسِرْتُ إليك، وسَاوَرَنِي فلان، وفلان سَوَّارٌ: وثّاب. والْإِسْوَارُ من أساورة الفرس أكثر ما يستعمل في الرّماة، ويقال: هو فارسيّ معرّب. وسِوَارُ المرأة معرّب، وأصله دستوار «٣»، وكيفما كان فقد استعملته العرب، واشتقّ منه: سَوَّرْتُ الجارية، وجارية مُسَوَّرَةٌ ومخلخلة، قال: فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ [الزخرف/ ٥٣]، وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ [الإنسان/ ٢١]، واستعمال الْأَسْوِرَةِ في الذهب، وتخصيصها بقوله: «ألقي»، واستعمال أَسَاوِرَ في الفضّة وتخصيصه بقوله: حُلُّوا «٤» فائدة ذلك تختصّ بغير هذا الكتاب. والسُّورَةُ:

(١) لم أجده.
(٢) الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «سافروا تربحوا، وصوموا تصحوا، واغزوا تغنموا» أخرجه أحمد في مسنده ٢/ ٣٨٠. وأخرجه الطبراني بلفظ: (اغزوا تغنموا، وصوموا تصحوا، وسافروا تستغنوا). وللطبراني والحاكم عن ابن عباس مرفوعا: «سافروا تصحوا وتغنموا». انظر: كشف الخفاء ١/ ٤٤٥.
(٣) انظر: تاج العروس (سور)، وعمدة الحفاظ: سور.
(٤) قال إسماعيل حقي: قوله: وَحُلُّوا فيه تعظيم لهم بالنسبة إلى أن يقال: وتحلوا. انظر: روح البيان ١٠/ ٢٧٥.
وقال: وإلقاء الأسورة كناية عن إلقاء مقاليد الملك، أي: أسبابه التي هي كالمفاتيح له.
وكانوا إذا سودوا رجلا سوروه وطوقوه بطوق من ذهب علما على رئاسته، ودلالة لسيادته. انظر: روح البيان ٨/ ٣٧٩.


الصفحة التالية
Icon