فلله ما أعلى هذه الصفات، وأرفع هذه الهمم، وأجل هذه المطالب، وأزكى تلك النفوس، ولله فضل الله عليهم، ولطفه بهم الذي أوصلهم إلى هذه المقامات والمنازل، ولله الحمد من جميع عباده؛ إذ بين لهم أوصافهم وحثهم عليها، وأعان السالكين ويسر الطريق لمن سلك رضوانه، والله الموفق المعين.
[خذ العفو وأمر بالعرف]
﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] هذه الآية الكريمة جامعة لمعاني حسن الخلق مع الناس، وما ينبغي للعبد سلوكه في معاملتهم ومعاشرتهم، فأمر تعالى بأخذ ﴿الْعَفْوَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] وهو ما سمحت به أنفسهم، وسهلت به أخلاقهم من الأعمال والأخلاق، بل يقبل ما سهل، ولا يكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم، ولا ما لا يطيقونه، بل عليه أن يشكر من كل أحد ما قابله به من قول وعمل وخلق جميل، وما هو دون ذلك، ويتجاوز عن تقصيرهم، ويغض طرفه عن نقصهم، وعما أتوا به وعاملوه به من النقص، ولا يتكبر على صغير لصغره، ولا ناقص العقل لنقصه، ولا الفقير لفقره، بل يعامل الجميع باللطف، وما تقتضيه الحال الحاضرة، وبما تنشرح له صدورهم، ويوقر الكبير، ويحنو على الصغير، ويجامل النظير.
﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [الأعراف: ١٩٩] وهو كل قول حسن وفعل جميل وخلق كامل للقريب والبعيد، فاجعل ما يأتي إلى الناس منك: إما تعليم علم ديني أو دنيوي، أو نصيحة أو حث لهم على خير من عبادة الله، وصلة رحم، وبر الوالدين، وإصلاح بين الناس، أو رأي مصيب، أو معاونة على بر وتقوى، أو زجر عن قبيح، أو إرشاد إلى مصلحة دينية أو دنيوية، أو تحذير من ضد ذلك.
ولما كان لا بد للعبد من أذية الجاهلين له بالقول أو بالفعل أمر الله بالإعراض عنهم، وعدم مقابلة الجاهلين بجهلهم، فمن آذاك بقوله أو فعله فلا تؤذه،