يَتَنَزَّهُونَ عَنْ أَدْبَارِ الرِّجَالِ.
[٨٣] ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ﴾ [الأعراف: ٨٣] يعني: لوطا، ﴿وَأَهْلَهُ﴾ [الأعراف: ٨٣] الْمُؤْمِنِينَ، وَقِيلَ: أَهْلُهُ ابْنَتَاهُ، ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [الأعراف: ٨٣] يَعْنِي الْبَاقِينَ فِي الْعَذَابِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كَانَتْ مِنَ الْبَاقِينَ الْمُعَمِّرِينَ قَدْ أَتَى عَلَيْهَا دَهْرٌ طَوِيلٌ فَهَلَكَتْ مَعَ مَنْ هَلَكَ مَنْ قَوْمِ لُوطٍ، وَإِنَّمَا قَالَ: ﴿مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [الأعراف: ٨٣] لِأَنَّهُ أَرَادَ مِمَّنْ بَقِيَ مِنَ الرِّجَالِ فَلَمَّا ضُمَّ ذِكْرُهَا إِلَى ذِكْرِ الرِّجَالِ قَالَ مِنَ الْغَابِرِينَ.
[٨٤] ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا﴾ [الأعراف: ٨٤] يَعْنِي حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ قَالَ وَهْبٌ: الْكِبْرِيتُ وَالنَّارُ، ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأعراف: ٨٤] قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يُقَالُ فِي الْعَذَابِ أُمْطِرُ وَفِي الرَّحْمَةِ مَطَرٌ.
[قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا....]
[٨٥] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا﴾ [الأعراف: ٨٥] وَأَرْسَلْنَا إِلَى وَلَدِ مَدْيَنَ وَهُوَ مَدْيَنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُمْ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فِي النَّسَبِ لَا فِي الدِّينِ. قَالَ عَطَاءٌ: هُوَ شُعَيْبُ بْنُ تَوْبَةَ بْنِ مَدْيَنَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: هُوَ شُعَيْبُ بْنُ مِيكَائِيلَ بْنِ يزجر بْنِ مَدْيَنَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَأُمُّ مِيكَائِيلَ بِنْتُ لُوطٍ. وَقِيلَ: هُوَ شُعَيْبُ بْنُ يَثْرَوُنَ بْنِ مَدْيَنَ، وَكَانَ شُعَيْبٌ أَعْمَى وَكَانَ يُقَالُ لَهُ خَطِيبُ الْأَنْبِيَاءِ لِحُسْنِ مُرَاجَعَتِهِ قَوْمَهُ، وَكَانَ قَوْمُهُ أَهْلَ كُفْرٍ وَبَخْسٍ لِلْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ، ﴿قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ٨٥] فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ٨٥] ولم تكن لهم آية مذكورة؟ قيل. قد كانت لهم هذه الآية إِلَّا أَنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ، وَلَيْسَتْ كُلُّ الْآيَاتِ مَذْكُورَةً فِي الْقُرْآنِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْبَيِّنَةِ مَجِيءَ شُعَيْبٍ، ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ﴾ [الأعراف: ٨٥] أَتِمُّوا الْكَيْلَ، ﴿وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ [الأعراف: ٨٥] لَا تَظْلِمُوا النَّاسَ حُقُوقَهُمْ وَلَا تَنْقُصُوهُمْ إِيَّاهَا، ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: ٨٥] أَيْ: بِبَعْثِ الرُّسُلِ وَالْأَمْرِ بِالْعَدْلِ، وَكُلُّ نَبِيٍّ بُعِثَ إِلَى قَوْمٍ فهو صلاحهم، ﴿ذَلِكُمْ﴾ [الأعراف: ٨٥] الَّذِي ذَكَرْتُ لَكُمْ وَأَمَرْتُكُمْ بِهِ، ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ٨٥] مُصَدِّقِينَ بِمَا أَقُولُ.
[٨٦] ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ﴾ [الأعراف: ٨٦] أَيْ: عَلَى كُلِّ طَرِيقٍ، ﴿تُوعِدُونَ﴾ [الأعراف: ٨٦] تُهَدِّدُونَ ﴿وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأعراف: ٨٦] دِينِ اللَّهِ، ﴿مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ [الأعراف: ٨٦] زَيْغًا، وَقِيلَ: تَطْلُبُونَ الِاعْوِجَاجَ فِي الدِّينِ وَالْعُدُولَ عَنِ الْقَصْدِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ عَلَى الطَّرِيقِ فَيَقُولُونَ لِمَنْ يُرِيدُ الْإِيمَانَ بِشُعَيْبٍ: إن شعيب كَذَّابٌ فَلَا يَفْتِنَنَّكَ عَنْ دِينِكَ وَيَتَوَعَّدُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْقَتْلِ وَيُخَوِّفُونَهُمْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانُوا عَشَّارِينَ. ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ﴾ [الأعراف: ٨٦] فَكَثُرَ عَدَدُهُمْ، ﴿وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: ٨٦] أَيْ: آخِرُ أَمْرِ قَوْمِ لُوطٍ.
[٨٧] ﴿وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا﴾ [الأعراف: ٨٧]