الْمَوْتُ الْمُوقَنُ بِهِ، وَهَذَا مَعْنَى مَا ذُكِرَ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ. ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ [مريم: ٣١]
[سورة النحل]
[قوله تعالى أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ] وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ.....
(١٦) سورة النحل [١] ﴿أَتَى﴾ [النحل: ١] أَيْ: جَاءَ وَدَنَا وَقَرُبَ، ﴿أَمْرُ اللَّهِ﴾ [النحل: ١] قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: تَقُولُ الْعَرَبُ: أَتَاكَ الْأَمْرُ وَهُوَ مُتَوَقَّعٌ بَعْدُ، أي: أتى أمر الله وعده. ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: ١] وُقُوعًا، (أَمْرُ اللَّهِ) قَالَ الْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُ: الْمُرَادُ مِنْهُ الْقِيَامَةُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾ [الْقَمَرِ: ١] قَالَ الْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَرُبَتْ فَأَمْسِكُوا عَنْ بَعْضِ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ حَتَّى تَنْظُرُوا مَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَمَّا لَمْ يَنْزِلْ شَيْءٌ قَالُوا: مَا نَرَى شَيْئًا فَنَزَلَ قَوْلُهُ: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ١] فَأَشْفَقُوا فَلَمَّا امْتَدَّتِ الْأَيَّامُ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ مَا نَرَى شَيْئًا مِمَّا تُخَوِّفُنَا بِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ) فَوَثَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَفَعَ النَّاسُ رُءُوسَهُمْ وَظَنُّوا أَنَّهَا قَدْ أَتَتْ حَقِيقَةً فَنَزَلَتْ (فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ) فَاطْمَأَنُّوا» (١).
وَالِاسْتِعْجَالُ: طَلَبُ الشَّيْءِ قَبْلَ حِينِهِ، وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ وَإِنْ كَادَتْ لتسبقني» وَقَالَ قَوْمٌ: الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ هَاهُنَا عقوبة المكذوبين وَالْعَذَابُ بِالسَّيْفِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ فَاسْتَعْجَلَ الْعَذَابَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ» (٢).
وَقُتِلَ النَّضْرُ يَوْمَ بَدْرٍ صَبْرًا. ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النحل: ١] مَعْنَاهُ تَعَاظَمَ بِالْأَوْصَافِ الْحَمِيدَةِ عَمَّا يَصِفُهُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ.
[٢] ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ﴾ [النحل: ٢] قَرَأَ الْعَامَّةُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ، وَ (الْمَلَائِكَةَ) نَصْبٌ. وَقَرَأَ يَعْقُوبُ بِالتَّاءِ وَفَتْحِهَا وَفَتْحِ الزَّايِ وَ (الْمَلَائِكَةُ) رَفْعٌ، ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ﴾ [النحل: ٢] بِالْوَحْيِ سَمَّاهُ رُوحًا لِأَنَّهُ يُحْيِيِ بِهِ الْقُلُوبَ وَالْحَقَّ. قَالَ عَطَاءٌ: بِالنُّبُوَّةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: بِالرَّحْمَةِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: بِالرُّوحِ يَعْنِي مَعَ الروح وهو جبرائيل. ﴿مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا﴾ [النحل: ٢] أَعْلِمُوا ﴿أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾ [النحل: ٢] وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مُرُوهُمْ بِقَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُنْذِرِينَ مُخَوِّفِينَ بِالْقُرْآنِ إِنْ لَمْ يَقُولُوا. وَقَوْلُهُ: فَاتَّقَوْنِ أَيْ: فَخَافُونِ.
[٣] ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النحل: ٣] أي: ارتفع عما يشركون.
[٤]
_________
(١) أخرجه الواحدي في أسباب النزول ص ٣٢١ بدون إسناد وبمعناه أخرجه الطبري ١٤ / ٧٥.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٢ / ٥٠ قال ابن حجر في الفتح: أخرجه أحمد والطبري وسنده حسن وأصل الحديث في البخاري كتاب الرقاق ١١ / ٣٤٧ وفي مسلم في كتاب الفتن ٤ / ٢٢٦٨.