يَكْذِبُونَ فِي شِعْرِهِمْ يَقُولُونَ فَعَلْنَا وفعلنا وهم كذبة، ثُمَّ اسْتَثْنَى شُعَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُجِيبُونَ شُعَرَاءَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَيَهْجُونَ شُعَرَاءَ الْكُفَّارِ، وَيُنَافِحُونَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، مِنْهُمْ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، فَقَالَ:
[٢٢٧] ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [الشعراء: ٢٢٧] عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ فِي الشِّعْرِ مَا أَنْزَلَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ يُجَاهِدُ بِسَيْفِهِ وَلِسَانِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَكَأَنَّمَا تَرْمُونَهُمْ به نضح النبل» (١). وعن عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ مِنْبَرًا فِي الْمَسْجِدِ يَقُومُ عَلَيْهِ قَائِمًا يُفَاخِرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، وَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ حَسَّانَ بِرُوحِ الْقُدُسِ، مَا يُنَافِحُ أَوْ يُفَاخِرُ عَنْ رَسُولِ الله» (٢). ﴿وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الشعراء: ٢٢٧] أَيْ لَمْ يَشْغَلْهُمُ الشِّعْرُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، ﴿وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾ [الشعراء: ٢٢٧] قال مقاتل: انتصروا في المشركين لأنهم بدأوا بِالْهِجَاءِ، ثُمَّ أَوْعَدَ شُعَرَاءَ الْمُشْرِكِينَ فقال: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [الشعراء: ٢٢٧] أَشْرَكُوا وَهَجَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ [الشعراء: ٢٢٧] أَيَّ مَرْجِعٍ يُرْجَعُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِلَى جَهَنَّمَ وَالسَّعِيرِ. وَاللَّهُ أعلم.
[سورة النمل]
[قوله تعالى طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ هُدًى وَبُشْرَى] لِلْمُؤْمِنِينَ...
(٢٧) سورة النمل [١] ﴿طس﴾ [النمل: ١] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِي حُرُوفِ الْهِجَاءِ. ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ﴾ [النمل: ١] أَيْ هَذِهِ آيَاتُ الْقُرْآنِ، ﴿وَكِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [النمل: ١] يعني وَآيَاتُ كِتَابٍ مُبِينٍ.
[٢] ﴿هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [النمل: ٢] يَعْنِي هُوَ هُدًى مِنَ الضَّلَالَةِ وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُصَدِّقِينَ بِهِ بِالْجَنَّةِ.
[٣] ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾ [النمل: ٣] أي يؤدون الصلاة بأركانها وشروطها، ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ [النمل: ٣] يعطون ما وجب عليهم من زكاة أموالهم لأربابها، ﴿وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ [النمل: ٣]
[٤] ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ﴾ [النمل: ٤] الْقَبِيحَةَ حَتَّى رَأَوْهَا حَسَنَةً، ﴿فَهُمْ يَعْمَهُونَ﴾ [النمل: ٤] أَيْ يَتَرَدَّدُونَ فِيهَا مُتَحَيِّرِينَ.
[٥] ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ﴾ [النمل: ٥] شِدَّةُ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالْأَسْرِ بِبَدْرٍ، ﴿وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ﴾ [النمل: ٥] لِأَنَّهُمْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ وَصَارُوا إِلَى النَّارِ.
[٦] ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ﴾ [النمل: ٦] أي تؤتى الْقُرْآنَ، ﴿مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ [النمل: ٦] أَيْ وَحْيًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ.
[٧] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ﴾ [النمل: ٧] أي واذكر يا محمد إذا قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ فِي مَسِيرِهِ مِنْ مَدْيَنَ إِلَى مِصْرَ، ﴿إِنِّي آنَسْتُ نَارًا﴾ [النمل: ٧] أَيْ أَبْصَرْتُ نَارًا، ﴿سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ﴾ [النمل: ٧] أَيْ امْكُثُوا مَكَانَكُمْ سَآتِيكُمْ بِخَبَرٍ عن الطريق أو النار، وَكَانَ قَدْ تَرَكَ الطَّرِيقَ، ﴿أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ﴾ [النمل: ٧] قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ بِشِهَابٍ بِالتَّنْوِينِ جَعَلُوا الْقَبَسَ نَعْتًا لِلشِّهَابِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِلَا تَنْوِينٍ عَلَى الْإِضَافَةِ، وَهُوَ إِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّ الشِّهَابَ وَالْقَبَسَ مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَعْنَى، وَهُوَ الْعُودُ الَّذِي فِي أحد طرفيه فيه نَارٌ، وَلَيْسَ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ نَارٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الشِّهَابُ هُوَ شَيْءٌ ذُو نُورٍ، مِثْلَ الْعَمُودِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ أَبِيضَ ذِي نور شهابا، والقبس: القطعة
_________
(١) أخرجه عبد الرزاق في كتاب الجامع ١١ / ٢٦٣ وصححه ابن حبان ص ٤٩٤ من موارد الظمآن والبيهقي في السنن ١٠ / ٢٣٩ والإمام أحمد في المسند ٣ / ٤٥٦ والمصنف في شرح السنة ١٢ / ٣٧٨.
(٢) أخرجه الترمذي في الأدب ٨ / ١٣٧ وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح، وصححه الحاكم ٣ / ٤٨٧ والمصنف في شرح السنة ١٢ / ٣٧٧.