[٦٦] ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾ [العنكبوت: ٦٦] هَذَا لَامُ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ التَّهْدِيدُ وَالْوَعِيدِ، كَقَوْلِهِ: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ [فُصِّلَتْ: ٤٠] أَيْ لِيَجْحَدُوا نِعْمَةَ اللَّهِ في إنجائه إياهم، ﴿وَلِيَتَمَتَّعُوا﴾ [العنكبوت: ٦٦] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ سَاكِنَةَ اللَّامِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا نَسَقًا عَلَى قوله: (لِيَكْفُرُوا)، ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٦] وَقِيلَ: مَنْ كَسَرَ اللَّامَ جَعَلَهَا لَامَ كَيْ وَكَذَلِكَ فِي لِيَكْفُرُوا، وَالْمَعْنَى لَا فَائِدَةَ لَهُمْ فِي الْإِشْرَاكِ إِلَّا الْكُفْرُ وَالتَّمَتُّعُ بِمَا يَتَمَتَّعُونَ بِهِ فِي الْعَاجِلَةِ مِنْ غَيْرِ نَصِيبٍ فِي الْآخِرَةِ.
[٦٧] ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: ٦٧] يَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَأَهْلُ مَكَّةَ آمنون، ﴿أَفَبِالْبَاطِلِ﴾ [العنكبوت: ٦٧] بِالْأَصْنَامِ وَالشَّيْطَانِ، ﴿يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ﴾ [العنكبوت: ٦٧] بمحمد والإسلام، ﴿يَكْفُرُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٧]
[٦٨] ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [العنكبوت: ٦٨] فَزَعَمَ أَنَّ لِلَّهِ شَرِيكًا وَأَنَّهُ أَمَرَ بِالْفَوَاحِشِ، ﴿أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ﴾ [العنكبوت: ٦٨] بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، ﴿لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٦٨] اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى التَّقْرِيرِ، مَعْنَاهُ: أَمَا لهذا الكافر مَأْوًى فِي جَهَنَّمَ.
[٦٩] ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا﴾ [العنكبوت: ٦٩] الَّذِينَ جَاهَدُوا الْمُشْرِكِينَ لِنُصْرَةِ دِينِنَا، ﴿لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: ٦٩] لنثبتهم عَلَى مَا قَاتَلُوا عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَنَزِيدَنَّهُمْ هُدَىً كَمَا قَالَ: ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى﴾ [مَرْيَمَ: ٧٦] وَقِيلَ: لَنُوَفِّقَنَّهُمْ لِإِصَابَةِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمَةِ هي التي توصل بِهَا إِلَى رِضَا اللَّهِ عَزَّ وجل وَقِيلَ: الْمُجَاهَدَةُ هِيَ الصَّبْرُ عَلَى الطَّاعَاتِ. قَالَ الْحَسَنُ: أَفْضَلُ الْجِهَادِ مُخَالَفَةُ الْهَوَى. وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِي طَلَبِ العلم لنهدينهم سبل الْجَنَّةِ. وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِي إِقَامَةِ السُّنَّةِ لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَ الْجَنَّةِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِي طَاعَتِنَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَ ثَوَابِنَا، ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: ٦٩] بِالنَّصْرِ وَالْمَعُونَةِ فِي دُنْيَاهُمْ وَبِالثَّوَابِ وَالْمَغْفِرَةِ فِي عُقْبَاهُمْ.
[سُورَةُ الرُّومِ]
[قوله تعالى الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ] بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ...
(٣٠) سورة الروم [١ - ٣] ﴿الم - غُلِبَتِ الرُّومُ - فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾ [الروم: ١ - ٣] أَيْ أَقْرَبِ أَرْضِ الشَّامِ إِلَى أَرْضِ فَارِسَ، قَالَ عِكْرِمَةُ: هِيَ أَذَرِعَاتُ وَكَسْكَرُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَرْضُ الْجَزِيرَةِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْأُرْدُنُ وَفِلَسْطِينُ. ﴿وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ﴾ [الروم: ٣] أَيْ الرُّومُ مِنْ بَعْدِ غَلَبَةِ فَارِسَ إِيَّاهُمْ، وَالْغَلَبُ وَالْغَلَبَةُ لُغَتَانِ، ﴿سَيَغْلِبُونَ﴾ [الروم: ٣] فارس.
[٤] ﴿فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ [الروم: ٤] وَالْبِضْعُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى السبع، وقيل: مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى التِّسْعِ: وَقِيلَ: مَا دُونُ الْعَشَرَةِ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَالْحَسَنُ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ: غَلَبَتِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَاللَّامِ، (سَيُغْلَبُونَ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَبِفَتْحِ


الصفحة التالية
Icon