قَالَ قَتَادَةُ: تَكُنْ فِي جَبَلٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي صَخْرَةٍ تحت الأرضين السبع ﴿أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ﴾ [لقمان: ١٦] باستخراجها، ﴿خَبِيرٌ﴾ [لقمان: ١٦] عَالَمٌ بِمَكَانِهَا، قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَى الآية هي الإحاطة بالأشياء صغيرها وكبيرها.
[١٧] ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ﴾ [لقمان: ١٧] يَعْنِي مِنَ الْأَذَى، ﴿إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [لقمان: ١٧] يُرِيدُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالصَّبْرَ عَلَى الْأَذَى فِيهِمَا مِنَ الْأُمُورِ الْوَاجِبَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا أَوْ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يُعْزَمُ عَلَيْهَا لِوُجُوبِهَا.
[١٨] ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ [لقمان: ١٨] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ﴾ [لقمان: ١٨] بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَلْفٍ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ تُصَاعِرْ بِالْأَلْفِ يُقَالُ: صَعَّرَ وَجْهَهُ وَصَاعَرَ إِذَا مَالَ "أعرض تَكَبُّرًا وَرَجُلٌ أَصَعَرُ أَيْ مَائِلُ الْعُنُقِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَقُولُ لَا تَتَكَبَّرْ فَتُحَقِّرَ النَّاسَ وَتُعْرِضَ عَنْهُمْ بِوَجْهِكَ إِذَا كَلَّمُوكَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الرَّجُلُ يَكُونُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ إِحْنَةً فَتَلْقَاهُ فَيُعْرِضُ عَنْكَ بِوَجْهِهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ الَّذِي إِذَا سُلِّمَ عَلَيْهِ لَوَى عُنُقَهُ تقصيرا. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَقَتَادَةُ: ولا تحتقرن الفقراء ليكن الفقر وَالْغَنِيُّ عِنْدَكَ سَوَاءً، ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا﴾ [لقمان: ١٨] خيلاء تكبرا، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ﴾ [لقمان: ١٨] في مشيه ﴿فَخُورٍ﴾ [لقمان: ١٨] عَلَى النَّاسِ.
[١٩] ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ﴾ [لقمان: ١٩] أَيْ لِيَكُنْ مَشْيُكَ قَصْدًا لَا تَخَيُّلًا وَلَا إِسْرَاعًا. وَقَالَ عَطَاءٌ: امْشِ بِالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ، كَقَوْلِهِ: ﴿يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الْفُرْقَانِ: ٦٣] ﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ﴾ [لقمان: ١٩] وقال مقاتل: اخفض مِنْ صَوْتِكَ، ﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ﴾ [لقمان: ١٩] أقبح الأصوات ﴿لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: ١٩] أَوَّلُهُ زَفِيرٌ وَآخِرُهُ شَهِيقٌ وَهُمَا صوتا أَهْلِ النَّارِ، وَقَالَ مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: ١٩] قَالَ: صِيَاحُ كُلِّ شَيْءٍ تَسْبِيحٌ لِلَّهِ إِلَّا الْحِمَارَ. وَقَالَ جَعْفَرُ الصَّادِقُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: ١٩] قَالَ: هِيَ الْعَطْسَةُ الْقَبِيحَةُ الْمُنْكَرَةُ.
[قَوْلُهُ تَعَالَى أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ] وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً...
[٢٠] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ﴾ [لقمان: ٢٠] أتم وأكمل، ﴿نِعَمَهُ﴾ [لقمان: ٢٠] قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَبُو عَمْرٍو وحفص ﴿نِعَمَهُ﴾ [لقمان: ٢٠] بفتح العين والهاء عَلَى الْجَمْعِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ مُنَوَّنَةً عَلَى الْوَاحِدِ وَمَعْنَاهَا الْجَمْعُ أَيْضًا كقوله: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [إِبْرَاهِيمَ: ٣٤] ﴿ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ [لقمان: ٢٠] قَالَ عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: النِّعْمَةُ الظَّاهِرَةُ الْإِسْلَامُ وَالْقُرْآنُ وَالْبَاطِنَةُ مَا سَتَرَ عَلَيْكَ مِنَ الذُّنُوبِ وَلَمْ يُعَجِّلْ عَلَيْكَ بِالنِّقْمَةِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الظَّاهِرَةُ حُسْنُ الصُّورَةِ وَتَسْوِيَةُ الْأَعْضَاءِ وَالْبَاطِنَةُ الْمَعْرِفَةُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ. الظَّاهِرَةُ تَسْوِيَةُ الْخَلْقِ وَالرِّزْقُ وَالْإِسْلَامُ، والباطنة الإيمان. وقال الربيع: الظاهرة الجوارح والباطنة القلب، وَقِيلَ: الظَّاهِرَةُ الْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ وَالْبَاطِنَةُ الِاعْتِقَادُ بِالْقَلْبِ. وَقِيلَ: الظَّاهِرَةُ تَمَامُ الرِّزْقِ وَالْبَاطِنَةُ حُسْنُ الْخُلُقِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: الظَّاهِرَةُ تَخْفِيفُ الشَّرَائِعِ وَالْبَاطِنَةُ الشَّفَاعَةُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الظَّاهِرَةُ ظُهُورُ الْإِسْلَامِ وَالنَّصْرُ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَالْبَاطِنَةُ الْإِمْدَادُ بِالْمَلَائِكَةِ. وَقِيلَ: الظَّاهِرَةُ الْإِمْدَادُ بِالْمَلَائِكَةِ وَالْبَاطِنَةُ إِلْقَاءُ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِ الْكُفَّارِ. وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: الظَّاهِرَةُ اتِّبَاعُ الرَّسُولِ وَالْبَاطِنَةُ مَحَبَّتُهُ، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [لقمان: ٢٠] نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَأَشْبَاهِهِمْ كَانُوا يُجَادِلُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّهِ وَفِي صِفَاتِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، ﴿وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾ [لقمان: ٢٠]
[٢١] ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾ [لقمان: ٢١] قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ [لقمان: ٢١] وَجَوَابُ


الصفحة التالية
Icon