دين آبائك، وقال اللَّهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي﴾ [سبأ: ٥٠] أَيْ إِثْمُ ضَلَالَتِي عَلَى نَفْسِي، ﴿وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي﴾ [سبأ: ٥٠] مِنَ الْقُرْآنِ وَالْحِكْمَةِ، ﴿إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ﴾ [سبأ: ٥٠]
[٥١] ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا﴾ [سبأ: ٥١] قَالَ قَتَادَةُ: عِنْدَ الْبَعْثِ حِينَ يُخْرَجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ، ﴿فَلَا فَوْتَ﴾ [سبأ: ٥١] أَيْ فَلَا يَفُوتُونَنِي كَمَا قَالَ: ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ [ص: ٣] وَقِيلَ: إذا فزعوا، فَوْتَ وَلَا نَجَاةَ، ﴿وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ [سبأ: ٥١] قَالَ الْكَلْبِيُّ: مِنْ تَحْتِ أَقْدَامِهِمْ، وَقِيلَ: أُخِذُوا مِنْ بَطْنِ الْأَرْضِ إِلَى ظَهْرِهَا، وَحَيْثُمَا كَانُوا فَهُمْ مِنَ اللَّهِ قَرِيبٌ، لَا يَفُوتُونَهُ. وَقِيلَ: مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ يَعْنِي عَذَابَ الدُّنْيَا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَوْمَ بدر. وقال ابن أبزى: خسف بِالْبَيْدَاءِ، وَفِي الْآيَةِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا لَرَأَيْتَ أَمْرًا تَعْتَبِرُ بِهِ.
[٥٢] ﴿وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ﴾ [سبأ: ٥٢] حِينَ عَايَنُوا الْعَذَابَ، قِيلَ: عِنْدَ الْيَأْسِ وَقِيلَ: عِنْدَ الْبَعْثِ. ﴿وَأَنَّى﴾ [سبأ: ٥٢] من أين، ﴿لَهُمُ التَّنَاوُشُ﴾ [سبأ: ٥٢] التناوش بالمد والهمزة، وبواو صَافِيَةٍ مِنْ غَيْرِ مَدٍّ وَلَا هَمْزٍ، وَمَعْنَاهُ التَّنَاوُلُ أَيْ كَيْفَ تَنَاوُلُ مَا بَعُدَ عَنْهُمْ، وَهُوَ الْإِيمَانُ وَالتَّوْبَةُ، وَقَدْ كَانَ قَرِيبًا فِي الدُّنْيَا فَضَيَّعُوهُ، وَمَنْ هَمَزَ قِيلَ: مَعْنَاهُ هَذَا أَيْضًا. وَقِيلَ: التَّنَاوُشُ بِالْهَمْزَةِ مِنَ النَّبْشِ وَهُوَ حَرَكَةٌ فِي إِبْطَاءٍ، يُقَالُ: جَاءَ نَبْشًا أَيْ مُبْطِئًا مُتَأَخِّرًا، وَالْمَعْنَى مِنْ أَيْنَ لَهُمُ الْحَرَكَةُ فِيمَا لَا حِيلَةَ لَهُمْ فِيهِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يَسْأَلُونَ الرَّدَّ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقَالُ: وَأَنَّى لَهُمُ الرَّدُّ إِلَى الدُّنْيَا، ﴿مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [سبأ: ٥٢] أَيْ مِنَ الْآخِرَةِ إِلَى الدُّنْيَا.
[٥٣] ﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ﴾ [سبأ: ٥٣] أَيْ بِالْقُرْآنِ، وَقِيلَ: بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُعَايِنُوا الْعَذَابَ وَأَهْوَالَ الْقِيَامَةِ، ﴿وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [سبأ: ٥٣] قَالَ مُجَاهِدٌ، يَرْمُونَ مُحَمَّدًا بِالظَّنِّ لَا بِالْيَقِينِ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ سَاحِرٌ وَشَاعِرٌ وَكَاهِنٌ، وَمَعْنَى الْغَيْبِ: هُوَ الظَّنُّ لِأَنَّهُ غَابَ عِلْمُهُ عَنْهُمْ، وَالْمَكَانُ الْبَعِيدُ بُعْدُهُمْ عَنْ عِلْمِ مَا يَقُولُونَ، وَالْمَعْنَى يَرْمُونَ مُحَمَّدًا بِمَا لَا يَعْلَمُونَ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: يَرْجُمُونَ بِالظَّنِّ يَقُولُونَ لَا بَعْثَ وَلَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ.
[٥٤] ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾ [سبأ: ٥٤] أَيِ الْإِيمَانِ وَالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ إِلَى الدُّنْيَا. وَقِيلَ: نَعِيمُ الدُّنْيَا وَزَهْرَتُهَا، ﴿كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ﴾ [سبأ: ٥٤] يعني بِنُظَرَائِهِمْ، وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ حَالِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ، ﴿مِنْ قَبْل﴾ [سبأ: ٥٤] أَيْ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمُ الْإِيمَانُ وَالتَّوْبَةُ فِي وَقْتِ الْيَأْسِ، ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ﴾ [سبأ: ٥٤] مِنَ الْبَعْثِ وَنُزُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ، ﴿مُرِيبٍ﴾ [سبأ: ٥٤] مُوقِعٍ لَهُمُ الرِّيبَةَ وَالتُّهْمَةَ.
[سُورَةُ فاطر]
[قوله تعالى الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ] الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ...
(٣٥) سورة فاطر [١] ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [فاطر: ١] خالقهما وَمُبْدِعِهَا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ، ﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ﴾ [فاطر: ١]


الصفحة التالية
Icon