وَنَظَرَ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ: لَمْ يَنْظُرْ مُوسَى إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا﴾ [الشورى: ٥١] يُوحِي إِلَيْهِ فِي الْمَنَامِ أَوْ بِالْإِلْهَامِ، ﴿أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الشورى: ٥١] يُسْمِعُهُ كَلَامَهُ وَلَا يَرَاهُ كَمَا كَلَّمَهُ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ﴿أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا﴾ [الشورى: ٥١] إِمَّا جِبْرِيلَ أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ﴿فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ﴾ [الشورى: ٥١] أَيْ يُوحِيَ ذَلِكَ الرَّسُولُ إِلَى الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ بِإِذْنِ اللَّهِ مَا يَشَاءُ، قَرَأَ نَافِعٌ: (أَوْ يُرْسِلُ) بِرَفْعِ اللَّامِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، (فَيُوحِي) سَاكِنَةَ الْيَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِنَصْبِ اللَّامِ وَالْيَاءِ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ الْوَحْيِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُوحِيَ إِلَيْهِ أَوْ يُرْسِلَ رسولا ﴿إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الشورى: ٥١]
[٥٢] ﴿وَكَذَلِكَ﴾ [الشورى: ٥٢] أَيْ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى سَائِرِ رُسُلِنَا، ﴿أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ [الشورى: ٥٢] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نُبُوَّةً. وَقَالَ الْحَسَنُ: رَحْمَةً. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ: وَحْيًا. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كِتَابًا. وَقَالَ الرَّبِيعُ: جِبْرِيلَ. وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: يَعْنِي الْقُرْآنَ. ﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي﴾ [الشورى: ٥٢] قَبْلَ الْوَحْيِ، ﴿مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ﴾ [الشورى: ٥٢] يَعْنِي شَرَائِعَ الْإِيمَانِ وَمَعَالِمَهُ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ: الْإِيمَانُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الصَّلَاةُ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [الْبَقَرَةِ: ١٤٣] وَأَهْلُ الْأُصُولِ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ كَانُوا مُؤْمِنِينَ قَبْلَ الْوَحْيَ وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْبُدُ اللَّهَ قَبْلَ الْوَحْيِ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَرَائِعُ دِينِهِ ﴿وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا﴾ [الشورى: ٥٢] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الْإِيمَانَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي الْقُرْآنَ. ﴿نَهْدِي بِهِ﴾ [الشورى: ٥٢] نُرْشِدُ بِهِ، ﴿مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي﴾ [الشورى: ٥٢] أَيْ لَتَدْعُو، ﴿إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢] يَعْنِي الْإِسْلَامَ.
[٥٣] ﴿صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾ [الشورى: ٥٣] أَيْ أُمُورُ الْخَلَائِقِ كُلِّهَا فِي الآخرة.
[سورة الزُخْرُف]
[قوله تعالى حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا] عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ...
(٤٣) سورة الزُخْرُف [١، ٢] ﴿حم - وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [الزخرف: ١ - ٢] أقسم بالكتاب الذي أبان طرق الهدي من طرق الضَّلَالَةِ وَأَبَانَ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأُمَّةُ مِنَ الشَّرِيعَةِ.
[٣] ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الزخرف: ٣] قوله جعلناه أي: صيرنا هَذَا الْكِتَابَ عَرَبِيًّا. وَقِيلَ: بَيَّنَّاهُ. وَقِيلَ: سَمَّيْنَاهُ. وَقِيلَ: وَصَفْنَاهُ، يُقَالُ جَعَلَ فُلَانٌ زَيْدًا أَعْلَمَ النَّاسِ، أي وصفه بهذا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا﴾ [الزُّخْرُفِ: ١٩] وَقَوْلُهُ: ﴿جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾ [الْحِجْرِ: ٩١] وَقَالَ ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ﴾ [التَّوْبَةِ: ١٩] كُلُّهَا بِمَعْنَى الْوَصْفِ وَالتَّسْمِيَةِ.
[٤] ﴿وَإِنَّهُ﴾ [الزخرف: ٤] يَعْنِي الْقُرْآنَ، ﴿فِي أُمِّ الْكِتَابِ﴾ [الزخرف: ٤]