وَعَرَفَ عَدَدَ مَا خَلَقَ فَلَمْ يَفُتْهُ عِلْمُ شَيْءٍ حَتَّى مَثَاقِيلِ الذَّرِّ وَالْخَرْدَلِ، وَنُصِبَ (عَدَدًا) عَلَى الحال، وإن شتت على المصدر، أي عد عددا.
[سورة المزمل]
[قوله تَعَالَى يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا] نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا...
(٧٣) سورة المزمل [١] ﴿يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾ [الْمُزَّمِّلُ: ١] أَيِ الْمُلْتَفِفُ بِثَوْبِهِ، وَأَصْلُهُ (الْمُتَزَمِّلُ) أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الزَّايِ، ومثله (المدثر) أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الدَّالِ، يُقَالُ: تَزَمَّلَ وَتَدَثَّرَ بِثَوْبِهِ إِذَا تَغَطَّى بِهِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَرَادَ يَا أَيُّهَا النَّائِمُ قُمْ فَصَلِّ قَالَ الحكماء: كَانَ هَذَا الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَّلِ الْوَحْيِ قَبْلَ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، ثُمَّ خُوطِبَ بَعْدُ بِالنَّبِيِّ وَالرَّسُولِ.
[٢] ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [المزمل: ٢] أَيْ لِلصَّلَاةِ، (إِلَّا قَلِيلًا)، وَكَانَ قِيَامُ اللَّيْلِ فَرِيضَةً فِي الِابْتِدَاءِ ثم بين قَدْرَهُ فَقَالَ:
[٣] ﴿نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا﴾ [المزمل: ٣] إِلَى الثُّلُثِ.
[٤] ﴿أَوْ زِدْ عَلَيْهِ﴾ [المزمل: ٤] على النصف إلى الثلثين، وخيره بين هذه المنازل، فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ يَقُومُونَ عَلَى هَذِهِ الْمَقَادِيرِ، وَكَانَ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي متى ثلث الليل ومتى النصف ومتى الثلثان، فكان يَقُومُ حَتَّى يُصْبِحَ مَخَافَةَ أَنْ لَا يَحْفَظَ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ، وَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ حَتَّى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ فَرَحِمَهُمُ اللَّهُ وَخَفَّفَ عَنْهُمْ وَنَسَخَهَا بِقَوْلِهِ: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى﴾ [المزمل: ٢٠] الْآيَةَ، فَكَانَ بَيْنَ أَوَّلِ السُّورَةِ وآخرها سنة، وقال مُقَاتِلٌ وَابْنُ كَيْسَانَ: كَانَ هَذَا بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالصَّلَوَاتِ الخمس، ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ [المزمل: ٤] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَيِّنْهُ بَيَانًا. قال الحسن: اقرأه قراءة بينة. قال مجاهد: ترسل فيه ترسلا. قال قَتَادَةُ: تَثَبَّتْ فِيهِ تَثَبُّتًا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: اقْرَأْهُ عَلَى هَيْنَتِكَ ثَلَاثَ آيَاتٍ أَوْ أَرْبَعًا أو خمسا.
[٥] ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾ [المزمل: ٥] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: شَدِيدًا. قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَهُذُّ السُّورَةَ وَلَكِنَّ الْعَمَلَ بها ثقيل. قال قتادة: ثقيلا هو والله فرائضه وحدوده. قال مُقَاتِلٌ: ثَقِيلٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الأمر والنهي والحدود. قال أَبُو الْعَالِيَةِ: ثَقِيلٌ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كعب: ثقيل على المنافقين. قال الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: قَوْلًا خَفِيفًا عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلًا فِي الْمِيزَانِ. قال الفراء: ثقيلا ليس بالخفيف السفساف لأنه كلام ربنا. قال ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ وَاللَّهِ ثَقِيلٌ مُبَارَكٌ كَمَا ثَقُلَ فِي الدُّنْيَا ثَقُلَ فِي الْمَوَازِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
[٦] قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ﴾ [المزمل: ٦] أَيْ سَاعَاتِهِ كُلَّهَا، وَكُلُّ سَاعَةٍ مِنْهُ نَاشِئَةٌ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَنْشَأ أَيْ تَبْدُو، وَمِنْهُ نَشَأَتِ السحابة إذا بدت، وكل مَا حَدَثَ بِاللَّيْلِ وَبَدَا فَقَدْ نَشَأَ فَهُوَ نَاشِئُ، وَالْجُمَعُ نَاشِئَةٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ الزُّبَيْرِ عَنْهَا فَقَالَا: اللَّيْلُ كُلُّهُ نَاشِئَةٌ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ زَيْدٍ: أَيْ سَاعَةَ قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَقَدْ نَشَأَ، وَهُوَ بِلِسَانِ الْحَبَشِ الْقِيَامُ، يُقَالُ: نَشَأَ فَلَانٌ أَيْ قَامَ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: النَّاشِئَةُ الْقِيَامُ بَعْدَ النَّوْمِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: هِيَ الْقِيَامُ مِنْ آخَرِ اللَّيْلِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ. هِيَ الْقِيَامُ مِنْ أول اللَّيْلِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كُلُّ صَلَاةٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَهِيَ نَاشِئَةٌ مِنَ اللَّيْلِ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: نَاشِئَةُ اللَّيْلِ قِيَامُ اللَّيْلِ، مَصْدَرٌ جَاءَ عَلَى فَاعِلَةٍ كَالْعَافِيَةِ بِمَعْنَى الْعَفْوِ. ﴿هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا﴾ [المزمل: ٦] قرأ ابن عامر وأبو عمر: وِطَاءً بِكَسْرِ الْوَاوِ مَمْدُودًا بِمَعْنَى المواطأة والموافقة، يقال وطأت فلانا مُوَاطَأَةَ الْقَلْبِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَاللِّسَانِ، بِاللَّيْلِ تَكُونُ أَكْثَرَ مِمَّا يَكُونُ بالنهار. وقرأ والآخرون: بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الطَّاءِ أَيْ أَشَدُّ عَلَى الْمُصَلِّي وَأَثْقَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ، لِأَنَّ اللَّيْلَ لِلنَّوْمِ والراحة. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَثْبَتُ فِي الْخَيْرِ وَأَحْفَظُ


الصفحة التالية
Icon