وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا المزمل وهى مَكِّيَّة غير قَوْله ﴿وذرني والمكذبين أولي النِّعْمَة ومهلهم قَلِيلا﴾ فانها مَدَنِيَّة آياتها تسع عشرَة كلماتها مِائَتَان وَخمْس وَثَمَانُونَ وحروفها ثَمَانمِائَة وثمان وَثَلَاثُونَ
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿يَا أَيهَا المزمل﴾ المتزمل يعْنى بِهِ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد تزمل بثيابه ليلبسها للصَّلَاة
﴿قُمِ اللَّيْل﴾ بِالصَّلَاةِ ثمَّ قَالَ ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾
ثمَّ بيَّن فَقَالَ ﴿نِّصْفَهُ﴾ أَي قُم نصف اللَّيْل للصَّلَاة ﴿أَوِ انقص مِنْهُ﴾ من النّصْف ﴿قَلِيلاً﴾ إِلَى الثُّلُث
﴿أَوْ زِدْ عَلَيْهِ﴾ على النّصْف إِلَى الثُّلثَيْنِ فخيره فِي قيام اللَّيْل ثمَّ قَالَ ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآن تَرْتِيلاً﴾ اقْرَأ الْقُرْآن على رسلك وهينتك وتؤدة ووقار تقْرَأ آيَة وآيتين وَثَلَاثًا ثمَّ كَذَلِك حَتَّى تقطع
﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ﴾ سننزل عَلَيْك جِبْرِيل ﴿قَوْلاً ثَقِيلاً﴾ بِكَلَام شَدِيد بِالْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد والحلال وَالْحرَام وَيُقَال عَظِيما وَيُقَال ثقيلاً على من خَالفه وَيُقَال ثقيلاً بِصَلَاة اللَّيْل
﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْل﴾ قيام اللَّيْل بِالصَّلَاةِ ﴿هِيَ أَشَدُّ وَطْأً﴾ نشاطاً للرجل إِذا كَانَ محتسباً للصَّلَاة وَيُقَال أرق وأرفق للقلب ﴿وَأَقْوَمُ قِيلاً﴾ أبين قِرَاءَة لِلْقُرْآنِ وَأثبت
﴿إِنَّ لَكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿فِي النَّهَار سَبْحَاً طَوِيلاً﴾ فراغاً طَويلا لقَضَاء حوائجك
﴿وَاذْكُر اسْم رَبِّكَ﴾ صل بِأَمْر رَبك وَيُقَال اذكر تَوْحِيد رَبك ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً﴾ أخْلص لله إخلاصاً فِي صَلَاتك ودعائك وعبادتك
﴿رَّبُّ الْمشرق وَالْمغْرب﴾ هُوَ الله ﴿لاَ إِلَه إِلاَّ هُوَ فاتخذه وَكِيلاً﴾ فاعبده رَبًّا وَيُقَال فاتخذه كَفِيلا فِيمَا وَعدك من النُّصْرَة والدولة وَالثَّوَاب
﴿واصبر﴾ يَا مُحَمَّد ﴿على مَا يَقُولُونَ﴾ من الشتم والتكذيب ﴿واهجرهم هَجْراً جَمِيلاً﴾ اعتزلهم اعتزالاً جميلاً بِلَا جزع وَلَا فحش
﴿وَذَرْنِي والمكذبين﴾ بِالْقُرْآنِ وَهَذَا وَعِيد من الله لَهُم وهم المطعمون يَوْم بدر ﴿أُوْلِي النِّعْمَة﴾ ذَوي المَال لَهُم والغنى ﴿وَمَهِّلْهُمْ﴾ أَجلهم ﴿قَلِيلاً﴾ إِلَى يَوْم بدر
﴿إِنَّ لَدَيْنَآ﴾ عندنَا لَهُم فِي الْآخِرَة ﴿أَنكَالاً﴾ قيوداً تقيد بهَا أَرجُلهم وأغلالاً تغل بهَا أَيْمَانهم إِلَى أَعْنَاقهم وسلاسل تُوضَع فِي أَعْنَاقهم ﴿وَجَحِيماً﴾ نَارا يدْخلُونَهَا
﴿وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ﴾ يسْتَمْسك فِي حلقهم وَهُوَ الزقوم ﴿وَعَذَاباً أَلِيماً﴾ وجيعاً يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم
ثمَّ بيَّن مَتى يكون فَقَالَ ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْض﴾ تزلزل الأَرْض ﴿وَالْجِبَال﴾ وتزلزل الْجبَال ﴿وَكَانَتِ﴾ وَصَارَت ﴿الْجبَال كَثِيباً﴾ تُرَابا ﴿مَّهِيلاً﴾ وَهُوَ الشَّيْء الَّذِي إِذا رفعت أَسْفَله سقط عَلَيْك أَعْلَاهُ مثل الرمل
﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَآ﴾ بعثنَا ﴿إِلَيْكُمْ رَسُولاً﴾ يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿شَاهِداً عَلَيْكُمْ﴾ بالبلاغ ﴿كَمَآ أَرْسَلْنَآ﴾ بعثنَا ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً﴾ يَعْنِي مُوسَى
﴿فعصى فِرْعَوْنُ الرَّسُول﴾ يَعْنِي مُوسَى لم يجبهُ ﴿فأخذناه أخذا وبيلا﴾ فعاقبناه عُقُوبَة شَدِيدَة وَهِي الْغَرق
﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ﴾ الْكفْر والشرك وتؤمنون بِاللَّه يَا أهل مَكَّة ﴿إِن كَفَرْتُمْ﴾ إِذا كَفرْتُمْ فِي الدُّنْيَا ﴿يَوْماً﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿يَجْعَلُ﴾ ذَلِك الْيَوْم ﴿الْولدَان شِيباً﴾ شُمْطًا إِذا سمعُوا حَيْثُ يَقُول الله لآدَم يَا آدم ابْعَثْ بعثاً من ذريتك إِلَى النَّار قَالَ آدم يَا رب من كم قَالَ الله تَعَالَى من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتسْعُونَ إِلَى النَّار وَوَاحِد إِلَى الْجنَّة
﴿السمآء مُنفَطِرٌ﴾ منشق ﴿بِهِ﴾ بذلك الزَّمَان الَّذِي يَجْعَل الْولدَان شيباً وَيُقَال بنزول أَمر الرب وَالْمَلَائِكَة ﴿كَانَ وَعْدُهُ﴾ فِي الْبَعْث ﴿مَفْعُولاً﴾ كَائِنا
﴿إِنَّ هَذِه﴾ السُّورَة ﴿تَذْكِرَةٌ﴾ عظة وَبَيَان لكم ﴿فَمَن شَآءَ اتخذ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾) طَرِيقا يَأْتِي بِهِ إِلَى ربه وَيُقَال فَمن شَاءَ وحد وَاتخذ بذلك إِلَى ربه سَبِيلا مرجعا
﴿إِن رَبك﴾