(طس) سبق الكلام على الحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة.
هذه آيات القرآن وهي آيات الكتاب العزيز بينة المعنى، واضحة الدلالة، على ما فيه من العلوم والحكم والشرائع. فالقرآن هو الكتاب، جمع الله له بين الاسمين.
وهي آيات ترشد إلى طريق الفوز في الدنيا والآخرة، وتبشر بحسن الثواب للمؤمنين الذين صَدَّقوا بها، واهتدَوْا بهديها، الذين يقيمون الصلوات الخمس كاملة الأركان، مستوفية الشروط، ويؤدون الزكاة المفروضة لمستحقيها، وهم يوقنون بالحياة الآخرة، وما فيها مِن ثواب وعقاب.
إن الذين لا يُصَدِّقون بالدار الآخرة، ولا يعملون لها حسَّنَّا لهم أعمالهم السيئة، فرأوها حسنة، فهم يترددون فيها متحيِّرين. أولئك الذين لهم العذاب السيِّئ في الدنيا قتلا وأَسْرًا وذُلا وهزيمةً، وهم في الآخرة أشد الناس خسرانًا.
وإنك -أيها الرسول- لتتلقى القرآن من عند الله، الحكيم في خلقه وتدبيره الذي أحاط بكل شيء علمًا.
اذكر قصة موسى حين قال لأهله في مسيره من «مدين» إلى «مصر» : إني أبصَرْتُ نارًا سآتيكم منها بخبر يدلنا على الطريق، أو آتيكم بشعلة نار; كي تستدفئوا بها من البرد.
فلما جاء موسى النارَ ناداه الله وأخبره أن هذا مكانٌ قدَّسه الله وباركه فجعله موضعًا لتكليم موسى وإرساله، وأن الله بارك مَن في النار ومَن حولها مِنَ الملائكة، وتنزيهًا لله رب الخلائق عما لا يليق به. يا موسى إنه أنا الله المستحق للعبادة وحدي، العزيز الغالب في انتقامي من أعدائي، الحكيم في تدبير خلقي. وألق عصاك فألقاها فصارت حية، فلما رآها تتحرك في خفة تَحَرُّكَ الحية السريعة ولَّى هاربًا ولم يرجع إليها، فطمأنه الله بقوله: يا موسى لا تَخَفْ، إني لا يخاف لديَّ من أرسلتهم برسالتي، لكن مَن تجاوز الحدَّ بذنب، ثم تاب فبدَّل حُسْن التوبة بعد قبح الذنب، فإني غفور له رحيم به، فلا ييئس أحدٌ من رحمة الله ومغفرته. وأدخل يدك في فتحة قميصك المفتوحة إلى الصدر تخرج بيضاء كالثلج من غير بَرَص في جملة تسع معجزات، وهي مع اليد: العصا، والسنون، ونقص الثمرات، والطوفان، والجراد، والقُمَّل، والضفادع، والدم؛ لتأييدك في رسالتك إلى فرعون وقومه، إنهم كانوا قومًا خارجين عن أمر الله كافرين به.
فلما جاءتهم هذه المعجزات ظاهرة بيِّنة يبصر بها مَن نظر إليها حقيقةَ ما دلت عليه، قالوا: هذا سحرٌ واضحٌ بيِّن.