[سورة النساء (٤): آية ٨٦]
وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (٨٦)
فِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ) التَّحِيَّةُ تَفْعِلَةٌ مِنْ حَيَّيْتُ، الْأَصْلُ تَحْيِيَةٌ مِثْلَ تَرْضِيَةٍ وَتَسْمِيَةٍ، فَأَدْغَمُوا الْيَاءَ فِي الْيَاءِ. وَالتَّحِيَّةُ السَّلَامُ. وَأَصْلُ التَّحِيَّةِ الدُّعَاءُ بِالْحَيَاةِ. وَالتَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، أَيِ السَّلَامُ مِنَ الْآفَاتِ. وَقِيلَ: الْمُلْكُ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ: سَأَلْتُ الْكِسَائِيَّ عَنْ قَوْلِهِ (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ) مَا مَعْنَاهُ؟ فَقَالَ: التَّحِيَّاتُ مِثْلُ الْبَرَكَاتِ، فَقُلْتُ: مَا مَعْنَى الْبَرَكَاتِ؟ فَقَالَ: مَا سَمِعْتُ فِيهَا شَيْئًا. وَسَأَلْتُ عَنْهَا مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ فقال: هو شي تَعَبَّدَ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ. فَقَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ إِدْرِيسَ فَقُلْتُ: إِنِّي سَأَلْتُ الْكِسَائِيَّ وَمُحَمَّدًا عَنْ قَوْلِ (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ) فَأَجَابَانِي بِكَذَا وَكَذَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ: إِنَّهُمَا لَا عِلْمَ لَهُمَا بِالشِّعْرِ وَبِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ؟! التحية الملك، وأنشد
«١»:
أؤم بها أبا قابوس حتى | وأنيخ عَلَى تَحِيَّتِهِ بِجُنْدِي |
وَأَنْشَدَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادُ:أَسِيرُ بِهِ إِلَى النُّعْمَانِ حَتَّى | أُنِيخُ عَلَى تَحِيَّتِهِ بِجُنْدِي |
يُرِيدُ عَلَى مُلْكِهِ. وَقَالَ آخَرُ
«٢»:
وَلِكُلِّ مَا نَالَ الْفَتَى | قَدْ نِلْتُهُ إِلَّا التَّحِيَّهْ |
وَقَالَ الْقُتَبِيُّ: إِنَّمَا قَالَ (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ) عَلَى الْجَمْعِ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْأَرْضِ مُلُوكٌ يُحَيَّوْنَ بِتَحِيَّاتٍ مُخْتَلِفَاتٍ، فَيُقَالُ لِبَعْضِهِمْ: أَبَيْتَ اللَّعْنَ، وَلِبَعْضِهِمُ: اسْلَمْ وَانْعَمْ، وَلِبَعْضِهِمْ: عِشْ أَلْفَ سَنَةٍ. فَقِيلَ لَنَا: قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، أَيِ الْأَلْفَاظُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْمُلْكِ، وَيُكَنَّى بِهَا عَنْهُ لله تعالى.