قَوْلُهُ تَعَالَى: (تِلْكَ الْقُرى) أَيْ هَذِهِ الْقُرَى الَّتِي أَهْلَكْنَاهَا، وَهِيَ قُرَى نُوحٍ وَعَادٍ «١» وَلُوطٍ وَهُودٍ وَشُعَيْبٍ الْمُتَقَدِّمَةُ الذِّكْرِ. (نَقُصُّ) أَيْ نَتْلُو. (عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها) أَيْ مِنْ أَخْبَارِهَا. وَهِيَ تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْمُسْلِمِينَ. (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) أَيْ فَمَا كَانَ أُولَئِكَ الْكُفَّارُ لِيُؤْمِنُوا بعد هلاكهم لأحييناهم، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. نَظِيرُهُ" وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا «٢» ". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالرَّبِيعُ: كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِالرُّسُلِ. (بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) يُرِيدُ يَوْمَ الْمِيثَاقِ حِينَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ فَآمَنُوا كَرْهًا لَا طَوْعًا. قَالَ السُّدِّيُّ: آمَنُوا يَوْمَ أُخِذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقُ كَرْهًا فَلَمْ يَكُونُوا لِيُؤْمِنُوا الْآنَ حَقِيقَةً. وَقِيلَ: سَأَلُوا الْمُعْجِزَاتِ، فَلَمَّا رَأَوْهَا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلِ رُؤْيَةِ الْمُعْجِزَةِ «٣». نَظِيرُهُ" كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ «٤» ". (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ) أَيْ مِثْلَ طَبْعِهِ عَلَى قُلُوبِ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[سورة الأعراف (٧): آية ١٠٢]
وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (١٠٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ)." مِنْ" زَائِدَةٌ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْجِنْسِ، وَلَوْلَا" مِنْ" لَجَازَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ وَاحِدٌ فِي الْمَعْنَى. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ الْعَهْدَ الْمَأْخُوذَ عَلَيْهِمْ وَقْتَ الذَّرِّ، وَمَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ قِيلَ لَهُ إِنَّهُ لَا عَهْدَ لَهُ، أَيْ كَأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْعَهْدُ الَّذِي عُهِدَ إِلَيْهِمْ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّ الْكُفَّارَ مُنْقَسِمُونَ، فَالْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ مَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا وَفَاءَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ أَمَانَةٌ مَعَ كُفْرِهِ وَإِنْ قَلُّوا، رُوِيَ عَنْ أبي عبيدة.
[سورة الأعراف (٧): آية ١٠٣]
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٠٣)

(١). في ج: نوح وعاد ولوط وشعيب.
(٢). راجع ج ٦ ص ٤١٠.
(٣). في ب وج وك: المعجزات.
(٤). راجع ص ٦٥ من هذا الجزء.


الصفحة التالية
Icon