مِنَ الْقَتْلِ تُفَرِّقْ بِهِ مَنْ خَلْفَهُمْ. وَالتَّشْرِيدُ فِي اللُّغَةِ: التَّبْدِيدُ وَالتَّفْرِيقُ، يُقَالُ: شَرَّدْتُ بَنِي فُلَانٍ قَلَعْتُهُمْ عَنْ مَوَاضِعِهِمْ وَطَرَدْتُهُمْ عَنْهَا حَتَّى فَارَقُوهَا. وَكَذَلِكَ الْوَاحِدُ، تَقُولُ: تَرَكْتُهُ شَرِيدًا عَنْ وَطَنِهِ وَأَهْلِهِ. قَالَ الشَّاعِرُ مِنْ هُذَيْلٍ:
أُطَوِّفُ فِي الْأَبَاطِحِ كُلَّ يَوْمٍ | مَخَافَةَ أَنْ يُشَرِّدَ بِي حَكِيمٌ |
[سورة الأنفال (٨): آية ٥٨]
وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨)
فيه ثلاث مسائل: الاولى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً) أَيْ غِشًّا وَنَقْضًا لِلْعَهْدِ. (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَبَنِي النَّضِيرِ. وَحَكَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالَّذِي يَظْهَرُ فِي أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ أن أم بَنِي قُرَيْظَةَ انْقَضَى عِنْدَ قَوْلِهِ" فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ" ثُمَّ ابْتَدَأَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِأَمْرِهِ فِيمَا يَصْنَعُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَعَ مَنْ يَخَافُ مِنْهُ خِيَانَةً، فَتَتَرَتَّبُ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ. [وَبَنُو قُرَيْظَةَ لَمْ يَكُونُوا فِي حَدِّ مَنْ تُخَافُ خِيَانَتُهُ [، وَإِنَّمَا كَانَتْ خِيَانَتُهُمْ ظَاهِرَةً] مَشْهُورَةً [«٢». الثَّانِيَةُ- قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَجُوزُ نَقْضُ الْعَهْدِ مَعَ خَوْفِ الْخِيَانَةِ، وَالْخَوْفُ ظَنٌّ لَا يَقِينَ مَعَهُ، فَكَيْفَ يَسْقُطُ يَقِينُ الْعَهْدِ مَعَ ظَنِّ الْخِيَانَةِ. فَالْجَوَابُ من
(١). من ج، ك، ز، ى.
(٢). التكملة عن تفسير ابن عطية.
(٢). التكملة عن تفسير ابن عطية.