قَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ كَفَرُوا نِعْمَةَ رَبِّهِمْ، قَالَ: وَيُقَالُ كَفَرْتُهُ وَكَفَرْتُ بِهِ، مِثْلُ شَكَرْتُهُ وَشَكَرْتُ لَهُ. (أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ) أَيْ لَا زَالُوا مُبْعَدِينَ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ. وَالْبُعْدُ الْهَلَاكُ. وَالْبُعْدُ التَّبَاعُدُ مِنَ الْخَيْرِ. يُقَالُ: بَعُدَ يَبْعُدُ بُعْدًا إِذَا تَأَخَّرَ وَتَبَاعَدَ. وَبَعِدَ يَبْعَدُ بَعَدًا إِذَا هَلَكَ، قَالَ:
لَا يَبْعَدْنَ قَوْمِي الَّذِينَ هُمْ | سُمُّ الْعُدَاةِ وَآفَةِ الْجُزْرِ «١» |
فَلَا تَبْعَدَنْ إِنَّ الْمَنِيَّةَ مَنْهَلٌ | وَكُلُّ امرئ يوما به الحال زائل |
وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (٦١)
فيها خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِلى ثَمُودَ) أَيْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ (أَخاهُمْ) أَيْ فِي النَّسَبِ. (صالِحاً). وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ" وَإِلَى ثَمُودٍ" بِالتَّنْوِينِ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ. وَاخْتَلَفَ سَائِرُ الْقُرَّاءِ فِيهِ فَصَرَفُوهُ فِي مَوْضِعٍ وَلَمْ يَصْرِفُوهُ فِي مَوْضِعٍ. وَزَعَمَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّهُ لَوْلَا مُخَالَفَةُ السَّوَادِ لَكَانَ الْوَجْهُ تَرْكَ الصَّرْفِ، إِذْ كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَيْهِ التَّأْنِيثُ. قَالَ النَّحَّاسُ: الَّذِي قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- مِنْ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ التَّأْنِيثُ كَلَامٌ مَرْدُودٌ، لِأَنَّ ثَمُودًا يُقَالُ لَهُ حَيٌّ، وَيُقَالُ لَهُ قَبِيلَةٌ، وَلَيْسَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْقَبِيلَةَ، بَلِ الْأَمْرُ عَلَى ضِدِّ مَا قَالَ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ. وَالْأَجْوَدُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ فِيمَا لَمْ يَقُلْ فِيهِ بَنُو فُلَانٍ الصَّرْفُ، نَحْو قُرَيْشٍ وَثَقِيفٍ وَمَا أَشْبَهَهُمَا، وَكَذَلِكَ ثَمُودٌ، وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ التَّذْكِيرُ الْأَصْلُ، وَكَانَ يَقَعُ لَهُ مُذَكَّرٌ وَمُؤَنَّثٌ كَانَ الْأَصْلُ الْأَخَفُّ أَوْلَى. وَالتَّأْنِيثُ جَيِّدٌ بَالِغٌ حَسَنٌ. وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ «٢» فِي التَّأْنِيثِ:
غَلَبَ الْمَسَامِيحَ الْوَلِيدُ سَمَاحَةً | وَكَفَى قُرَيْشَ الْمَعْضِلَاتِ وسادها |
(١). تقدم شرح البيت في هامش ج ٦ ص ١٤.
(٢). البيت لعدي بن الرقاع يمدح الوليد بن عبد الملك، والشاهد فيه ترك صرف قريش حملا على معنى القبيلة، والصرف فيها أكثر وأعرف لأنهم قصدوا بها قصد الحي، وغلب ذلك عليها. (شواهد سيبويه).
(٢). البيت لعدي بن الرقاع يمدح الوليد بن عبد الملك، والشاهد فيه ترك صرف قريش حملا على معنى القبيلة، والصرف فيها أكثر وأعرف لأنهم قصدوا بها قصد الحي، وغلب ذلك عليها. (شواهد سيبويه).