قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) أَيْ مَا نُعْطِيهِ فِي الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَأَكْثَرُ مِمَّا أَعْطَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا، لِأَنَّ أَجْرَ الْآخِرَةِ دَائِمٌ، وَأَجْرُ الدُّنْيَا يَنْقَطِعُ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ الْعُمُومُ فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ مُتَّقٍ، وَأَنْشَدُوا:

أَمَا فِي رَسُولِ اللَّهِ يُوسُفَ أُسْوَةٌ لِمِثْلِكَ مَحْبُوسًا عَلَى الظُّلْمِ وَالْإِفْكِ
أَقَامَ جَمِيلَ الصَّبْرِ فِي الْحَبْسِ بُرْهَةً فَآلَ بِهِ الصَّبْرُ الْجَمِيلُ إِلَى الْمُلْكِ
وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى صَدِيقٍ لَهُ:
وَرَاءَ مَضِيقِ الْخَوْفِ مُتَّسَعُ الْأَمْنِ وَأَوَّلُ مَفْرُوحٍ بِهِ آخِرُ الْحُزْنِ
فَلَا تيئسن فَاللَّهُ مَلَّكَ يُوسُفَا خَزَائِنَهُ بَعْدَ الْخَلَاصِ مِنَ السِّجْنِ
وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ:
إِذَا الْحَادِثَاتُ بَلَغْنَ النُّهَى وَكَادَتْ تَذُوبُ لَهُنَّ الْمُهَجُ
وَحَلَ الْبَلَاءُ وَقَلَّ الْعَزَاءُ فَعِنْدَ التَّنَاهِي يَكُونُ الْفَرَجُ
وَالشِّعْرُ فِي هذا المعنى كثير.
[سورة يوسف (١٢): آية ٥٨]
وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ) أَيْ جَاءُوا إِلَى مِصْرَ لَمَّا أَصَابَهُمُ الْقَحْطُ لِيَمْتَارُوا، وَهَذَا مِنَ اخْتِصَارِ الْقُرْآنِ الْمُعْجِزِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: لَمَّا أَصَابَ النَّاسَ الْقَحْطُ وَالشِّدَّةُ، وَنَزَلَ ذَلِكَ بِأَرْضِ كَنْعَانَ بَعَثَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَدَهُ لِلْمِيرَةِ، وَذَاعَ أَمْرُ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْآفَاقِ، لِلِينِهِ وَقُرْبِهِ وَرَحْمَتِهِ وَرَأْفَتِهِ وَعَدْلِهِ وَسِيرَتِهِ، وَكَانَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ نَزَلَتِ الشِّدَّةُ بِالنَّاسِ يَجْلِسُ [لِلنَّاسِ «١»] عِنْدَ الْبَيْعِ بِنَفْسِهِ، فَيُعْطِيهِمْ مِنَ الطَّعَامِ عَلَى عَدَدِ رؤوسهم، لِكُلِّ رَأْسٍ وَسْقًا «٢». (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ) يُوسُفُ (وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) لِأَنَّهُمْ خَلَّفُوهُ صَبِيًّا، وَلَمْ يَتَوَهَّمُوا أَنَّهُ بَعْدَ الْعُبُودِيَّةِ يَبْلُغُ إِلَى تِلْكَ الْحَالِ مِنَ الْمَمْلَكَةِ، مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ، وَهِيَ أَرْبَعُونَ سَنَةً. وَقِيلَ: أَنْكَرُوهُ لِأَنَّهُمُ اعْتَقَدُوا أَنَّهُ مَلِكٌ كَافِرٌ: وَقِيلَ: رَأَوْهُ لَابِسَ حَرِيرٍ، وَفِي عُنُقِهِ طَوْقُ ذَهَبٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ، وَقَدْ تَزَيَّا بِزِيِّ فِرْعَوْنَ مِصْرَ، ويوسف
(١). من ع وك وووى. [..... ]
(٢). الوسق ستون صاعا، والأصل في الوسق الحمل.


الصفحة التالية
Icon