ثَمَرَاتٍ (رِزْقاً لَكُمْ). (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي" الْبَقَرَةِ" «١». (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ) يَعْنِي الْبِحَارَ الْعَذْبَةَ لِتَشْرَبُوا مِنْهَا وَتَسْقُوا وَتَزْرَعُوا، وَالْبِحَارَ الْمَالِحَةَ لِاخْتِلَافِ الْمَنَافِعِ مِنَ الْجِهَاتِ. (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ) أَيْ فِي إِصْلَاحِ مَا يُصْلِحَانِهِ مِنَ النَّبَاتِ وَغَيْرِهِ، وَالدُّءُوبُ مُرُورُ الشَّيْءِ فِي الْعَمَلِ عَلَى عَادَةٍ جَارِيَةٍ. وَقِيلَ: دَائِبَيْنِ فِي السَّيْرِ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ، وَالْمَعْنَى يَجْرِيَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَفْتُرَانِ، رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) أَيْ لِتَسْكُنُوا فِي اللَّيْلِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ فِي النَّهَارِ، كَمَا قَالَ:" وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ" «٢» [القصص: ٧٣]. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ) أَيْ أَعْطَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَسْئُولٍ سَأَلْتُمُوهُ شَيْئًا، فَحَذَفَ، عَنِ الْأَخْفَشِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ، وَمِنْ كُلِّ مَا لَمْ تَسْأَلُوهُ فَحَذَفَ، فَلَمْ نَسْأَلْهُ شَمْسًا وَلَا قَمَرًا وَلَا كَثِيرًا مِنْ نِعَمِهِ الَّتِي ابْتَدَأَنَا بِهَا. وهذا كما قال:" سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ" «٣» [النحل: ٨١] عَلَى مَا يَأْتِي. وَقِيلَ:" مِنْ" زَائِدَةٌ، أَيْ آتَاكُمْ كُلَّ مَا سَأَلْتُمُوهُ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُمَا" وَآتَاكُمْ مِنْ كُلٍّ" بِالتَّنْوِينِ" مَا سَأَلْتُمُوهُ" وَقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنِ الْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ وَقَتَادَةَ، هِيَ عَلَى النَّفْيِ أَيْ مِنْ كُلِّ مَا لَمْ تَسْأَلُوهُ، كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَغَيْرِهِمَا. وقيل: من كل شي مَا سَأَلْتُمُوهُ أَيِ الَّذِي مَا سَأَلْتُمُوهُ. (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ) أَيْ نِعَمَ اللَّهِ. (لَا تُحْصُوها) وَلَا تُطِيقُوا عَدَّهَا، وَلَا تَقُومُوا بِحَصْرِهَا لِكَثْرَتِهَا، كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَتَقْوِيمِ الصُّوَرِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعَافِيَةِ وَالرِّزْقِ، [نِعَمٌ لَا تُحْصَى] «٤» وَهَذِهِ النِّعَمُ مِنَ اللَّهِ، فَلِمَ تُبَدِّلُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ بِالْكُفْرِ؟! وَهَلَّا اسْتَعَنْتُمْ بِهَا عَلَى الطَّاعَةِ؟! (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) الْإِنْسَانُ لَفْظُ جِنْسٍ وَأَرَادَ بِهِ الْخُصُوصَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَادَ أَبَا جَهْلٍ. وقيل: جميع الكفار.
[سورة إبراهيم (١٤): الآيات ٣٥ الى ٣٦]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦)
(٢). راجع ج ١٣ ص ١٠٨.
(٣). راجع ج ١٠ ص ١٦٠. [..... ]
(٤). من اوج وووى.