وَعَدْلِهِ. (أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ) أَيْ يَجُورُ فِي الْحُكْمِ وَالظُّلْمِ. وَأُتِيَ بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ لِأَنَّهُ أَشَدُّ فِي التَّوْبِيخِ وَأَبْلَغُ في الذم، كقوله جَرِيرٍ فِي الْمَدْحِ:
أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا | وَأَنْدَى الْعَالَمِينَ بُطُونَ رَاحِ |
الرَّابِعَةُ- هَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ إِجَابَةِ الدَّاعِي إِلَى الْحَاكِمِ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ ذَمَّ مَنْ دُعِيَ إِلَى رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ بِأَقْبَحِ الذَّمِّ فَقَالَ:" أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ" الْآيَةَ. قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ دُعِيَ إِلَى مَجْلِسِ الحاكم أن يحيب، مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ الْحَاكِمَ فَاسِقٌ، أَوْ عَدَاوَةً بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَأَسْنَدَ الزَّهْرَاوِيُّ عن الحسن ابن أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ دَعَاهُ خَصْمُهُ إِلَى الحاكم مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يُجِبْ فَهُوَ ظَالِمٌ وَلَا حَقَّ لَهُ). ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا. قَالَ ابن العربي: هذا حَدِيثٌ بَاطِلٌ، فَأَمَّا قَوْلُهُ (فَهُوَ ظَالِمٌ) فَكَلَامٌ صَحِيحٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ (فَلَا حَقَّ لَهُ) فَلَا يَصِحُّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ الحق.
[سورة النور (٢٤): آية ٥١]
إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ) أي إلى كتاب الله وحكم ورسوله. (أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخْبَرَ بِطَاعَةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا يَكْرَهُونَ، أَيْ هَذَا قَوْلُهُمْ، وَهَؤُلَاءِ لَوْ كانوا مؤمنين لكانوا
(١). راجع ج ٦ ص ١٨٤.