[تفسير سُورَةُ الزُّخْرُفِ]

سُورَةُ الزُّخْرُفِ مَكِّيَّةٌ بِإِجْمَاعٍ. وَقَالَ مقاتل: إلا قوله" وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا" «١» [الزخرف: ٤٥]. وَهِيَ تِسْعٌ وَثَمَانُونَ آيَةً.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الزخرف (٤٣): الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" حم. وَالْكِتابِ الْمُبِينِ". تَقَدَّمَ «٢» الْكَلَامُ فِيهِ. وَقِيلَ:" حم" قَسَمٌ." وَالْكِتابِ الْمُبِينِ" قَسَمٌ ثَانٍ، وَلِلَّهِ أَنْ يُقْسِمَ بِمَا شَاءَ. وَالْجَوَابُ" إِنَّا جَعَلْناهُ". وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: مَنْ جَعَلَ جَوَابَ" وَالْكِتابِ"" حم"- كَمَا تَقُولُ نَزَلَ وَاللَّهِ وَجَبَ وَاللَّهِ- وَقَفَ عَلَى" الْكِتابِ الْمُبِينِ". وَمَنْ جَعَلَ جَوَابَ الْقَسَمِ" إِنَّا جَعَلْناهُ" لَمْ يَقِفْ عَلَى" الْكِتابِ الْمُبِينِ". وَمَعْنَى" جَعَلْناهُ" أَيْ سَمَّيْنَاهُ وَوَصَفْنَاهُ، وَلِذَلِكَ تَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ" «٣» [المائدة: ١٠٣]. وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَيْ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا. مُجَاهِدٌ: قُلْنَاهُ. الزَّجَّاجُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: بَيَّنَّاهُ." عَرَبِيًّا" أَيْ أَنْزَلْنَاهُ بِلِسَانِ الْعَرَبِ، لِأَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ أُنْزِلَ كِتَابُهُ بلسان قومه، قاله سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لِأَنَّ لِسَانَ أَهْلِ السَّمَاءِ عَرَبِيٌّ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ جَمِيعَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، لِأَنَّ الْكِتَابَ اسْمُ جِنْسٍ فَكَأَنَّهُ أَقْسَمَ بِجَمِيعِ مَا أُنْزِلَ مِنَ الْكُتُبِ أَنَّهُ جَعَلَ الْقُرْآنَ عَرَبِيًّا. وَالْكِنَايَةُ فِي قَوْلِهِ" جَعَلْناهُ" تَرْجِعُ إِلَى الْقُرْآنِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، كَقَوْلِهِ تعالى:" إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ" «٤».] الْقَدْرِ: ١]." لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" أَيْ تَفْهَمُونَ أَحْكَامَهُ وَمَعَانِيهِ. فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ خَاصًّا لِلْعَرَبِ دُونَ الْعَجَمِ، قَالَهُ ابْنُ عِيسَى. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْمَعْنَى لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ خِطَابًا عَامًّا «٥» لِلْعَرَبِ وَالْعَجَمِ. وَنَعَتَ الْكِتَابَ بِالْمُبِينِ لِأَنَّ اللَّهَ بَيَّنَ فِيهِ أَحْكَامَهُ وَفَرَائِضَهُ، عَلَى مَا تقدم في غير موضع.
(١). آية (٤٥)
(٢). راجع ١٥ ص (٢٨٩)
(٣). آية ١٠٣ سورة المائدة.]
(٤). راجع ج ٢٠ ص ١٢٩
(٥). لفظة عاما ساقطة من ح ز ك هـ


الصفحة التالية
Icon