وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا إِنْ صَحَّ يَلْزَمُ عَلَيْهِ السُّجُودُ الثَّانِي مِنْ سُورَةِ" الْحَجِّ"، وَإِنْ كَانَ مُقْتَرِنًا بِالرُّكُوعِ، لِأَنَّهُ يَكُونُ مَعْنَاهُ ارْكَعُوا فِي مَوْضِعِ الرُّكُوعِ، وَاسْجُدُوا فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَمُطَرِّفٌ: وَكَانَ مَالِكٌ يَسْجُدُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِخَاتِمَةِ هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وَابْنُ وَهْبٍ يَرَاهَا مِنَ الْعَزَائِمِ. قُلْتُ: وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق: ١] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ: [اكْتُبْهَا يَا مُعَاذُ [فَأَخَذَ مُعَاذٌ اللَّوْحَ وَالْقَلَمَ وَالنُّونَ- وَهِيَ الدَّوَاةُ- فَكَتَبَهَا مُعَاذٌ، فَلَمَّا بَلَغَ كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ سَجَدَ اللَّوْحُ، وَسَجَدَ الْقَلَمُ، وَسَجَدَتِ النُّونُ، وَهُمْ يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ارْفَعْ بِهِ ذِكْرًا، اللَّهُمَّ احْطُطْ بِهِ وِزْرًا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ بِهِ ذَنْبًا. قَالَ مُعَاذٌ: سَجَدْتُ، وَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَجَدَ. خُتِمَتِ السُّورَةُ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا فَتَحَ وَمَنَحَ وَأَعْطَى. وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
[تفسير سورة القدر]
سُورَةُ" الْقَدْرِ" وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ ذَكَرهُ الثَّعْلَبِيُّ. وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَكْسَهُ. قُلْتُ: وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ فِي قَوْلِ الضَّحَّاكِ وَأَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَذَكَرَ الْوَاقِدَيُّ أَنَّهَا أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ. وَهِيَ خَمْسُ آيَاتٍ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة القدر (٩٧): آية ١]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١)قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) يَعْنِي الْقُرْآنِ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى مَعْلُومٌ، وَالْقُرْآنُ كُلُّهُ كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَةِ. وَقَدْ قَالَ: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ «١» [البقرة: ١٨٥] وَقَالَ: حم. وَالْكِتابِ الْمُبِينِ. إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ «٢» [الدخان: ٣ - ١] يريد: في ليلة القدر. وقال
(٢). أول سورة الدخان.