الكلام على الخطبة
قوله: (الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا)
هو من الاقتباس، وقد أجمع على جوازه في النثر (١)، واستعمله العلماء قاطبة في خطبهم وإنشاءاتهم، وللمصنّف في ذلك خصوصية، وهي: أن تفسيره هذا مبني كالكشاف على أساليب علم المعاني والبيان والبديع، والاقتباس من تلك الأساليب، فكان في افتتاحه براعة استهلال (٢) من وجهين:
أحدهما: الإشارة إلى أن هذا المصنف الذي شرع في افتتاحه تفسير للقرآن.
والثاني: الإشارة إلى أن هذا التفسير على قوانين وأساليب البراعة، ولمثل ذلك افتتح الطيبي والتفتازاني معا حاشيتي الكشاف بقوله:
(الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا (٣)) [الكهف ١].
فإن قلت: نرى في هذا الزمان قوما يستنكرون ذلك، ويقولون: ألفاظ القرآن لا تستعمل في غيره.
قلت: إنّما استنكره هؤلاء جهلا منهم بالنصوص والنقول، فقد استعمله النبي صلى الله عليه وسلّم في غير ما حديث، والصحابة، والتابعون، والعلماء قديما وحديثا، ونصوا في كتب الفقه على جوازه.
فإن قلت: لعلّ المالكية يشددون في ذلك ما لا يشدده أهل مذهبكم.
قلت: قد استعمله إمامهم الإمام مالك بن أنس، ونصّ على جوازه غير واحد، منهم ابن عبد البر (٤)؟....................

(١) انظر في: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ٢/ ٢٢٣ والاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار لابن عبد البر ١٤/ ٣٢١ وشرح مقامات السيوطي ٢/ ٧٢٦ - ٧٢٩.
(٢) هي أن يكون افتتاح الخطبة أو الرسالة أو غيرهما دالا على غرض المتكلم. شرح الكافية البديعية لصفي الدين الحلي ٥٩ وشرح عقود الجمان في علم المعاني والبيان ١٧٢، ١٧٣.
(٣) فتوح الغيب ١/ ١ وحاشية سعيد الدين ل١.
(٤) هو يوسف بن عبد الله بن محمد أبو عمر النمري القرطبي المالكي، فقيه حافظ، عالم بالقراءات وبالخلاف وبعلوم الحديث والرجال، يميل في الفقه إلى أقوال الشافعي، توفي سنة ثلاث=


الصفحة التالية
Icon