قلت: لو اقتصرنا على هذا القدر لا يتم التفسير ولا يكمل الكلام؛ لأنه تعالى يذكر هذه الآية في ذكر نعمه على عباده، وكفرانهم، نظيرها قوله: ﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ وقوله: ﴿فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾. فلا يستقيم ههنا أن نقول معناه: فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد، أي فمنهم مُوفٍ أو مؤمن أو مصلح، لأنه يخالف أمثالها ونظائرها، ويخالف مفهوم الخطاب، ولا يتم أيضاً أن نقول: فمنهم مقتصد أي مضمر للكفر، وأمثال ذلك؛ لأن في نظائرها لم يذكر بحرف ﴿من﴾، وههنا قد ذكره بحرف ﴿من﴾ وهو للتبعيض فلا يجوز ذكر البعض والإعراض عن البعض، لأنه يكون تقديره: فلما نجاهم إلى البر فمنهم كافر فتحمله على الإضمار والاختصار، كأنه تعالى قال: فلما نجاهم إلى البر فمنهم شاكر ومنهم جاحد كقوله: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكٌمُ الْحَرَّ﴾ وأشباه ذلك والله أعلم.
غاية ما في الباب أنه ترك ذكر الفريق الآخر لدلالة الكلام عليه فينبغي للمفسر أن لا يخل بهذا التنبيه لئلا يُنسب إلى التقصير.
* * *
سورة الأحزاب
١٧٠ - قال في قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ﴾: ﴿تُظَاهِرُونَ﴾ " بضم التاء وتخفِيف الظاء