فقوله: يخلق ثم لا يفري: أي يقدر الأمر، ثم لا ينفذه لعجزه عنه كما هو معلوم.] (١)
وقال أيضاً: [إطلاق اللازم، وإرادة الملزوم أسلوب عربي معروف، والقائلون بالمجاز يقولون: إن ذلك من المجاز المرسل، وعلى أن هذه الآية - أي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النور: ٢٧) أطلق فيها اللازم الذي هو الاستئناس وأريد ملزومه الذي هو الإذن، يصير المعنى: حتى تستأذنوا، ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى: ﴿لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِىّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾، وقوله تعالى بعده: ﴿فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمُ﴾، وقال الزمخشري في هذا الوجه بعد أن ذكره: وهذا من قبيل الكناية، والإرداف؛ لأن هذا النوع من الاستئناس يردف الإذن فوضع موضع الإذن.] (٢).
٢ - المفرد إذا كان اسم جنس يكثر في كلام العرب إطلاقه مراداً به الجمع - مع تنكيره، أو تعريفه بالألف واللام أو بالإضافة - (٣).
[قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي من استقراء اللغة العربية التي نزل بها القرآن، هو أن من أساليبها أن المفرد إذا كان اسم جنس يكثر إطلاقه مراداً به الجمع مع تنكيره كما في هذه الآية، وتعريفه بالألف واللام، وبالإضافة فمن أمثلته في القرآن مع التنكير قوله تعالى ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ﴾ أي وأنهار بدليل قوله تعالى ﴿فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾ وقوله ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾ أي أئمة وقوله تعالى ﴿فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْءٍ مِّنْهُ نَفْساً﴾ أي أنفساً وقوله تعالى ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ﴾ أي سامرين وقوله تعالى ﴿لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ﴾ أي بينهم وقوله تعالى ﴿وَحَسُنَ أولئك رَفِيقاً﴾ أي رفقاء
(٢) - (٦/ ١٦٧) (النور/٢٧).
(٣) - ونوع المجاز هنا عند القائلين به هو المجاز في المفرد، ويسمى اللغوي، من نوع إطلاق المفرد على الجمع، وقد أجاد العلامة الشنقيطي - رحمه الله - في بيان أن ذلك واقع في لغة العرب، وأنه من أساليبها، فيكون حقيقة لا مجاز، كما سبق بيان ذلك في المقدمة.