﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ﴾ وهو عزير: أحد أنبياء بني إسرائيل (انظر آية ٣٠ من سورة التوبة) ﴿وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ أي ساقطة على سقوفها؛ وهي بيت المقدس؛ وقد خربها بختنصر، وقتل أهلها ومن فيها ﴿قَالَ﴾ عزير في نفسه ﴿أَنَّى يُحْيِي﴾ كيف يحيي؟ ﴿هَذِهِ﴾ القرية؛ أي أهلها ﴿اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ خرابها وهلاك أهليها ﴿فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ﴾ أنامه؛ كما أنام أصحاب الكهف نيف وثلاثمائة عام ﴿ثُمَّ بَعَثَهُ﴾ أيقظه كما أيقظهم. وقد يكون المراد بالإماتة: الموت الحقيقي؛ الذي هو سلب الروح من الجسد - سلباً كلياً - ليكون إحياؤه دليلاً على إحياء أمثاله ممن مات من أهل هذه القرية ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ لم يتغير ﴿وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ﴾ كيف صار رميماً؛ وهذا يدل على طول المكث، وأنه لبث مائة عام؛ لا ﴿يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ كما توهم. وقد أراه الله تعالى - في نفسه - كيف يقوم الإنسان بعد الإحياء عند بعثه، وأراه - في حماره - كيف يجمع العظم المتفتت، وكيف يركب بعضه فوق بعض ﴿وَانْظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا﴾ نركب بعضها على بعض (انظر آية ٢٠ من سورة الكهف)
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى﴾ قد يظن ظان
-[٥٣]- من هذه القالة - أن إبراهيم عليه السلام كان شاكاً في البعث، أو كان مرتاباً في قدرة ربه تعالى - وهو صفيه وخليله ومصطفاه - ولا يجوز بحال نسبة الشك، أو الارتياب إلى الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام؛ خصوصاً في أهم المعتقدات التي يتوقف عليها صحة الإيمان: كالبعث والإحياء. وأمامنا الكهرباء واللاسلكي وأمثالهما؛ فما من أحد إلا ويؤمن بهما إيماناً يقينياً وهو لا يعرف كيفيتهما أو كنههما؛ ويود لو توصل إلى عرفانهما. ولا يقال: إنه بطلبه هذه المعرفة شاك فيهما، غير مؤمن بوجودهما ﴿فَصُرْهُنَّ﴾ اضممهن ﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً﴾
قيل: إنه أخذ أربعة أصناف من الطيور؛ فذبحها وخلط بين لحمها وعظمها ودمها وريشها، وجعل على كل جبل جزءاً منها؛ ثم نادى: تعالين بإذنالله؛ فصار كل جزء منهن يتضامُّ إلى الآخر ويتماسك، وجئن إليه طائرات كما كن


الصفحة التالية
Icon