﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي سرتم في طريق الغزو ﴿فَتَبَيَّنُواْ﴾ تثبتوا ممن تريدون قتله، ولاتأخذوا بالشك بل باليقين. فلا تقتلوا سوى من تيقنتم عداوته وإيذاءه ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ﴾ الاستسلام أو كلمة الشهادة، وقيل: التسليم ﴿لَسْتَ مُؤْمِناً﴾ أي تقولون له: أنت لست مؤمناً؛ بل تظاهرت بالإيمان لتنجو من القتل ﴿تَبْتَغُونَ﴾ بذلك ﴿عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ متاعها الزائل الفاني؛ وهو لباسه وسلاحه وماله ﴿فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ﴾ تغنمونها في الدنيا برزقه، وفي الآخرة بفضله ﴿كَذلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ﴾ مثل هؤلاء الكفار الذين تقتلونهم الآن أو «كذلك كنتم» تخفون دينكم تحرزاً منهم، كما أخفوا دينهم تحرزاً منكم ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ بالإيمان والنصر والظفر ﴿فَتَبَيَّنُواْ﴾ كما أمرتكم
﴿لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ﴾ عن الجهاد في سبيل الله تعالى ﴿﴾ المرض، والعاهة: من عمى، أو عرج، ونحوهما ﴿فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ﴾ من أُولي الضرر؛ فضلهم عليهم ﴿دَرَجَةً وَكُلاًّ﴾ من المجاهدين والقاعدين بسبب ضرر لحقهم ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ الجزاء الحسن في الآخرة ﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ﴾ عن الجهاد بغير ضرر يمنعهم، أو سبب يعوقهم
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ التوفي: قبض الروح. و «الملائكة» ملك الموت عزرائيل عليه السلام وأعوانه. والمعنى: إن الذين تتوفاهم الملائكة؛ وهم ظالمون لأنفسهم بالجبن والخور، وفقدان الأمل؛ وضعف العزيمة، وعدم الهجرة ﴿قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ﴾ أي قال الملائكة للمتوفين: في أي شيء كنتم؟ وهو سؤال تقريع وتوبيخ؛ حيث إنه كان في مقدورهم أن يقووا عزائمهم، ويهاجروا من أوطانهم، ويتخلصوا من ذلهم وجبنهم، ولا يحيوا حياة السوائم والدين الإسلامي القويم: لم يرض لمعتنقيه الضعف والذل؛ بل أراد لهم وبهم العزة والرفعة والكرامة؛ وألا يحل مسلم في أرض إلا إذا كان عزيزاً مكرماً مرهوب الجانب؛ وإلا فأرض الله واسعة وأبواب رزقه ورحمته مفتوحة وربما أريد بظالمي أنفسهم: المنافقين؛ الذين بخلوا وتركوا الهجرة بدينهم مع الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه ﴿قَالُواْ﴾ جواباً على سؤال ملائكة الموت ﴿كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ﴾ أي عاجزين عن القيام بأعباء العبادة بين كفار مكة وصناديد قريش ﴿فِي الأَرْضِ﴾ أرض مكة ﴿قَالْواْ أَلَمْ تَكُنْ
-[١١١]- أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا﴾
أي قال لهم الملائكة: أليست أرض الله - على سعتها ورحبها - تسعكم إذا هاجرتم فيها، وفررتم بدينكم؛ كما فعل من هاجر إلى المدينة، وإلى الحبشة؟


الصفحة التالية
Icon