﴿وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً﴾ بعلمه وقدرته وبأسه وسطوته
﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَآءِ﴾ أي يسألونك عن شأن النساء، وما الذي يجب لهن وعليهن: في الزواج والمهر والطلاق والمعاملة، وغير ذلك ﴿قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾ وهو ما تقدم من آيات الفرائض في أول هذه السورة ﴿فِي يَتَامَى النِّسَآءِ الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ﴾ ما فرض لهن من الميراث ﴿وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ﴾ تتزوجوهن ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ﴾ الصغار الضعفاء ﴿مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ﴾ بالعدل ﴿وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ﴾ في شأن اليتامى، أو في أي شأن من الشؤون ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً﴾ فيجازيكم عليه أحسن الجزاء
﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً﴾ أي جفاء وأذى ﴿أَوْ إِعْرَاضاً﴾ بأن يقل من مؤانستها؛ بسبب دمامة، أو كبر سن، أو تطلع إلى أخرى لا إثم ولا حرج ﴿أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً﴾ بأن يتصالحا على أن تنزل له عن نصيبها في القسم، أو النفقة، أو بعضهما ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ لهما ﴿وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُّحَّ﴾ أي وأحضرت أنفس النساء الشح بأنصبائهن في القسم والنفقة. و «الشح»: الإفراط في الحرص
﴿وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ العدل المقصود في هذه الآية: هو العدل في المحبة القلبية فحسب؛ وإلا لو قلنا بأنه العدل المطلق؛ لكان ذلك تناقضاً مع قوله جل شأنه ﴿فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ﴾ وقد كان يقسم بين نسائه فيعدل؛ ويقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك» يعني بذلك المحبة القلبية؛ ويؤيده ما بعده من قوله تعالى: ﴿فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ أي لا تميلوا عن المرغوب عنها فتجعلوها كالمعلقة التي ليست بأيم، ولا ذات بعل. ولا عبرة بما يدعو إليه من يتسمون بالمجددين: من وجوب التزوج بواحدة فقط؛ مستدلين بهذه الآية. وهو قول باطل ترده الشريعة السمحة، والسنة الغراء فليحذر غضب الله من ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ﴾ انظر مبحث تعدد الزوجات بآخر الكتاب
﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا﴾ هذان الزوجان المتباغضان ﴿يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ﴾ منهما ﴿مِّن سَعَتِهِ﴾ وفضله فيرزقه خيراً منها خلقاً وخلقاً، ويرزقها خيراً منه رقة ولطفاً، وحناناً وعطفاً ﴿وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً﴾ أي واسع الفضل والرحمة والرزق ﴿حَكِيماً﴾ في صنعه.
-[١١٦]- ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا﴾ أي متاعها الزائل وحطامها الفاني؛ كالمجاهد الذي يريد بجهاده الغنيمة والفخر؛ لا الثواب والأجر والذي يريد بصلاته وحجه: الرياء والسمعة، ولا يبتغي بعباداته وجه الله تعالى؛ فقد أخطأوا جميعاً وجه الصواب؛ وآبوا شر مآب ﴿فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ يعطي من كليهما من شاء فقد يعطي أحد الناس الدنيا فحسب ويحرمه من الآخرة والعياذ ب الله وقد يعطي أحدهم الآخر فحسب؛ ويحرمه من الدنيا؛ وهو عنه راض وقد يعطي أحدهم الدنيا والآخرة ﴿وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً﴾ ﴿وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً﴾ لأقوالكم ﴿بَصِيراً﴾ بأفعالكم


الصفحة التالية
Icon