﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾ وحالهم كما وصفنا ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ﴾ يظهرون خلاف ما يبطنون ﴿وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ لأنه تعالى يبطن لهم في الآخرة خلاف ما ظهر لهم في الدنيا فقد أعطاهم فيها ما يؤملونه من صحة ومال؛ وبيت لهم في الآخرة من العذاب ما تشيب لهوله الوالدان، ويجعلهم سكارى وما هم بسكارى ﴿وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى﴾ متثاقلين يذهب الإنسان للقاء صديقه؛ فينشط لمقابلته، ويسرع لرؤيته؛ ويقوم الإنسان لمناجاة ربه، والوقوف بين يدي حبه: الخافض الرافع، المعطي المانع؛ متباطئاً متثاقلاً؛ كأنما يساق إلى أصعب الأفعال، وأشق الأعمال وقد فاته أن هذا التكاسل والتثاقل من صفات الكافرين، وسمات المنافقين؛ وهم رغم تثاقلهم وتكاسلهم ﴿يُرَآءُونَ النَّاسَ﴾ بصلاتهم
﴿مُّذَبْذَبِينَ﴾ مترددين ﴿بَيْنَ ذلِكَ﴾ بين الإيمان والكفر؛ ولم يراعوا الميثاق الذي واثقهم به ربهم، وهم في عالم الغيب؛ وأضاعوا الأمانة التي ائتمنهم عليها، وأساءوا إلى آدميتهم، وأهدروا عقولهم، ونزلوا من مصاف الإنسانية إلى درك الحيوانية؛ وأصبحوا ﴿لاَ إِلَى هَؤُلاءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاءِ﴾ لا إلى المؤمنين ولا إلى الكافرين؛ والتردد: أسوأ ما يوصف به مخلوق وهو إن دل على شيء؛ فإنما يدل على انعدام الشخصية، وفساد العقل
﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً﴾ إلى الخير، أو إلى الجنة، أو إلى الصواب وذلك لأنه أرخى لشهواته العنان، واستمرأ ما يمليه عليه الشيطان فاستوجب الخذلان والحرمان؛ وتخلى عن حفظه الرحمن؛ ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ﴾
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ﴾ أصدقاء ونصراء؛ بعد أن بيّنا لكم شأنهم وعداوتهم ﴿أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً﴾ حجة واضحة على نفاقكم، وموالاتكم للكفار؛ تؤدي إلى عذابكم
﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ دركات النار: منازل أهلها فيها. والنار دركات، والجنة درجات
﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ﴾ من النفاق ومن التثاقل في العبادات ﴿وَأَصْلَحُواْ﴾ أعمالهم ﴿وَاعْتَصَمُواْ بِاللَّهِ﴾ استعانوا به، ووثقوا بوعده ووعيده ﴿وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ﴾ أي أخلصوا له تعالى في العبادة (انظر آية ١٧ من سورة البقرة).


الصفحة التالية
Icon