﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ﴾ على الإيمان والطاعة ﴿وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً﴾ النقيب: هو الذي ينقب عن أفعال القوم ويفتش عنها ﴿وَقَالَ اللَّهُ﴾ لبني إسرائيل على لسان رسله ﴿إِنِّي مَعَكُمْ﴾ بالتوفيق والمعونة ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ﴾ وداومتم عليها ﴿وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ﴾ أعطيتموها لمن أمرت باعطائها لهم ﴿وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي﴾ جميعاً ﴿وَعَزَّرْتُمُوهُمْ﴾ عظمتموهم ووقرتموهم ﴿وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ بالصدقات التي يردها لكم في الدنيا أضعافاً مضاعفة، وفي الآخرة بما لا عين رأت ولا أذن سمعت لئن فعلتم ذلك ﴿لأُكَفِّرَنَّ﴾ لأمحون ﴿عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ التي ارتكبتموها ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾
﴿فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ﴾ الميثاق ﴿مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيلِ﴾ أخطأ طريق الصواب والحق
﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ﴾ أي فبنقضهم عهدهم اللعنة من الله تعالى: الطرد والمقت؛ نعوذ به تعالى من غضبه ﴿وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً﴾ جافية عن الإيمان بي، والتوفيق لطاعتي ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ﴾ وذلك بتحريفهم التوراة، وكتابة ما يرغبون فيها، ومحو ما لا يرغبون، أو تحريفهم معانيها بما يتفق وأهواءهم ﴿وَنَسُواْ حَظَّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ﴾ الحظ: النصيب. أي تركوا نصيباً مما ذكروا به فلم يفعلوه ﴿وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَآئِنَةٍ﴾ على خيانة ﴿مِنهُمُ﴾ ومن ذلك همهم ببسط أيديهم إليكم بالإيذاء والقتال ﴿إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ﴾ استكانوا ولم يبسطوا أيديهم ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ﴾ أي عن الذين هموا بكم ﴿وَاصْفَحْ﴾ عن ذنبهم هذا ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ خصوصاً من أحسن لمن أساء. وقيل: هي منسوخة بقوله تعالى ﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ هذا هو حال اليهود
﴿وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ﴾ أيضاً؛ كما أخذنا ميثاق اليهود ﴿فَنَسُواْ حَظّاً﴾ نصيباً ﴿مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ﴾ كما نسيت اليهود «تشابهت قلوبهم» ﴿فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ﴾ أي بين اليهود والنصارى، أو بين اليهود أنفسهم، أو بين النصارى بعضهم مع بعض. وعلى كلا الوجهين: فقد شاعت العداوة بين اليهود وبعضهم، وبين النصارى وبعضهم، وبين اليهود والنصارى؛ فترى اليهود وقد انقسموا إلى فرقتين متنافرتين: قرّايين وربانيين؛ وكلاهما له دين خاص، وشريعة خاصة، ونظام يخالف نظام الآخر - في العبادات والمعاملات - لا يجتمعان إلا في أمر واحد: هو كراهة المسلمين والنصارى. وترى النصارى وقد انقسموا إلى فرق متعددة: كاثوليك، وأرثوذكس، وبروتستانت؛ كل منها له شريعة خاصة ونظام خاص؛ وتراهم دائبي الخلاف في كل صغيرة وكبيرة. أما عداوة اليهود للنصارى، والنصارى لليهود، فأمر لا يحتاج إلى
-[١٢٩]- برهان أو دليل؛ قال تعالى:
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ﴾ وترى الأمم الغربية - وهم أبناء دين واحد - وقد تفنن بعضهم في إهلاك البعض - هلاكاً تشيب لهوله الولدان - فمن مخترع للقنبلة الذرية إلى مخترع للهيدروجينية، إلى مصمم لقنبلة الكوبالت؛ إلى ما لا نهاية له من صنوف الإيذاء والبلاء الذي لا يوصف؛ وبذلك حق عليهم الإغراء؛ فهم أبد الدهر في شحناء وبغضاء


الصفحة التالية
Icon