﴿وَاتْلُ﴾ يا محمد ﴿عَلَيْهِمْ﴾ على هؤلاء اليهود؛ الذين هموا أن يبسطوا إليكم أيديهم بالبطش والأذى ﴿نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ﴾ هابيل وقابيل ﴿إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً﴾ لله ﴿فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا﴾ هابيل ﴿قَالَ﴾ قابيل - الذي لم يتقبل قربانه - لهابيل الذي تقبل منه ﴿لأَقْتُلَنَّكَ﴾ حسداً منه له ﴿قَالَ﴾ هابيل ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ الذين يخشونه
﴿لَئِن بَسَطتَ﴾ مددت ﴿إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي﴾ فلن أقابلك بمثل بغيك؛ و ﴿مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ﴾ لأني لست شريراً مثلك {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ *
إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ} ترجع ﴿بِإِثْمِي﴾ إثم قتلي ﴿وَإِثْمِكَ﴾ الذي ارتكبته من قبل؛ ولم يتقبل قربانك بسببه أو المراد «بإثمي»: آثامي تلقى عليك «وإثمك» الذي ارتكبته بقتلي.
قال «يؤخذ من حسنات الظالم فتزاد في حسنات المظلوم حتى ينتصف؛ فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فتطرح عليه» يعضده قوله تعالى: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ﴾
﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ﴾ زينت له، وتابعته وطاوعته
﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ﴾ يحفر فيها برجله ومنقاره ﴿لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ﴾ جسده؛ والسوأة: كل ما يسوء الإنسان ظهوره
﴿مِنْ أَجْلِ ذلِكَ﴾ القتل الذي حصل بين ابني آدم ﴿كَتَبْنَا﴾ حكمنا وقضينا ﴿عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ وعلى غيرهم أيضاً ﴿للَّهِ﴾ أي بغير أن يكون ذلك القتل قصاصاً من المقتول الذي قتل نفساً ظلماً ﴿أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ﴾ أي وبغير أن يكون القتل بسبب إفساد المقتول في الأرض، وقطعه للطريق، وسلبه أموال الناس وإفساده للأمن ﴿فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً﴾ أي لأنه بفعلته هذه سن القتل، وجعل كل الناس عرضة له، ولأن عقوبته في الآخرة لا تنقص عن عقوبة من قتل الناس جميعاً؛ ألا ترى أن جزاءه جهنم، وأنه خالد فيها، وأن غضب الله تعالى محيط به، ولعنته منصبة عليه، وأنه تعالى أعد له عذاباً عظيماً مهيناً؟ فأي شقاء وأي عذاب بقي لمن قتل الناس جميعاً بعد هذا الشقاء، وفوق هذا العذاب؟ (انظر آية ٩٣ من سورة النساء) ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا﴾ أي أنقذها من هلاك محدق: كغرق، أو حرق، أو دفع عدو ظالم، أو غير ذلك ﴿فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾ لأنه سن بينهم النجدة، والتضحية، والأمن. وقيل: إن الكف عن القتل: هو الإحياء.
بعد ذلك بين الله تعالى لنا الأسباب الموجبة للقتل، والتي استثناها في الآية السابقة بقوله جل شأنه: ﴿بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ﴾ قال تعالى:
﴿إِنَّمَا جَزَآءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ بمحاربة المسلمين،
-[١٣٣]- ومخالفة ما أمر الله تعالى به، وإتيان ما نهى عنه ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً﴾ وهم قطاع الطريق؛ الذين يعيثون في الأرض، وينتهكون الحرمات، ويفسدون الأمن؛ فجزاء أمثال هؤلاء ﴿أَن يُقَتَّلُواْ﴾ إن كان إثمهم القتل فقط ﴿أَوْ يُصَلَّبُواْ﴾ إن كان إثمهم القتل وسلب المال ﴿أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ﴾ إن كان إثمهم سلب المال «السرقة بالإكراه» وطريقة ذلك أن تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى - يده للسرقة، ورجله لإخافة الطريق - فإن لم يتب تقطع يده اليسرى ورجله اليمنى ﴿أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ﴾ إن كان إثمهم التخويف فقط؛ والنفي: أن يطرد من موطنه قسراً حتى يلحق بأرض العدو، أو هو نفيه من بلده إلى بلد آخر يسجن فيها حتى تبدو توبته، وتظهر إنابته؛ ويقلع عن معصية الله إيذاء عباده الآمنين (انظر آية ٣٨ من هذه السورة) ﴿ذلِكَ﴾ الجزاء المتقدم ﴿لَهُمْ خِزْيٌ﴾ ذل وفضيحة ﴿فِي الدُّنْيَا﴾ يعلق بهم وبأبنائهم وذراريهم