﴿وَقَفَّيْنَا﴾ أتبعنا ﴿عَلَى آثَارِهِم﴾ أي آثار النبيين الذين تقدموا عيسى عليه السلام ﴿مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ ما تقدمه ﴿مِنَ التَوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى﴾ من الله ﴿وَنُورٌ﴾ لمن اتبعه ﴿وَمُصَدِّقاً﴾ أي الإنجيل جاء مصدقاً ﴿لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ تقدمه
﴿وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنْجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ﴾ ولكنهم لم يحكموا بما فيه؛ بل حكموا تبعاً لأهوائهم ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ ومن عجب أن تنزل التوراة لليهود فلا يعملون بها، ويحرفونها عن مواضعها، وينزل الإنجيل للنصارى فلا يعملون بما فيه، بل يكون دأبهم تغييره ومخالفته، وينزل القرآن الكريم على المسلمين فيجعلون ديدنهم التشدق بحروفه، ومراعاة وقوفه. والإفراط في الغن إفراطاً أخل بنطقه، والتزيد في المد تزيداً أخل بمعناه؛ وتركوا العمل بما فيه؛ ولم ينزله منزله تعالى إلا لذلك ولكنه الشيطان زيّن لهم تافه الأمور، وصرفهم عن لب القرآن
﴿وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ﴾ يا محمد ﴿الْكِتَابِ﴾ القرآن ﴿مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ ما تقدمه ﴿مِنَ الْكِتَابِ﴾ كالتوراة والإنجيل ﴿وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ﴾ رقيباً وحافظاً وأميناً ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً﴾ الشرعة: الشريعة. والمنهاج: الطريق البيِّن الواضح ﴿وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ﴾ ليختبركم ﴿فِي مَآ آتَاكُم﴾ من الشرائع والتكاليف؛ فيعلم - علم ظهور - المطيع منكم والعاصي، والبر والفاجر
-[١٣٦]- ﴿فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ﴾ ابتدروها وسابقوا نحوها؛ قبل الفوات بالوفاة ﴿إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ ويجزي كلاً بما عمل بين اليهود - وقد احتكموا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام في بعض مجرميهم - وقيل: إن سادة اليهود وكبراءهم ذهبوا إليه وقالوا له: إنا إن أسلمنا أسلم سائر اليهود، وإن بيننا وبين قومنا خصومة، فاقض لنا عليهم ونحن نسلم لك ونؤمن بك. فأبى اتباعهم، وأنزل الله تعالى عليه هذه الآية ﴿وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ﴾ يضلوك ﴿عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ من الأحكام في كتابه المبين ﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ أعرضوا عنك، وانصرفوا عن تصديقك