وأهلكنا قبل هؤلاء المشركين من قريش أممًا كثيرة، كانوا أشد منهم قوة وسطوة، فطوَّفوا في البلاد وسلكوا كل طريق؛ طلبا للهرب من الهلاك، هل من مهرب من عذاب الله حين جاءهم؟
إن في إهلاك القرون الماضية لعبرة لمن كان له قلب يعقل به، أو أصغى السمع، وهو حاضر بقلبه، غير غافل ولا ساهٍ.
ولقد خلقنا السموات السبع والأرض وما بينهما من أصناف المخلوقات في ستة أيام، وما أصابنا من ذلك الخلق تعب ولا نَصَب. وفي هذه القدرة العظيمة دليل على قدرته -سبحانه- على إحياء الموتى من باب أولى.
فاصبر -أيها الرسول- على ما يقوله المكذبون، فإن الله لهم بالمرصاد، وصلِّ لربك حامدًا له صلاة الصبح قبل طلوع الشمس وصلاة العصر قبل الغروب، وصلِّ من الليل، وسبِّحْ بحمد ربك عقب الصلوات.
واستمع -أيها الرسول- يوم ينادي المَلَك بنفخه في «القرن» من مكان قريب، يوم يسمعون صيحة البعث بالحق الذي لا شك فيه ولا امتراء، ذلك يوم خروج أهل القبور من قبورهم.
إنَّا نحن نحيي الخلق ونميتهم في الدنيا، وإلينا مصيرهم جميعًا يوم القيامة للحساب والجزاء، يوم تتصدع الأرض عن الموتى المقبورين بها، فيخرجون مسرعين إلى الداعي، ذلك الجمع في موقف الحساب علينا سهل يسير.
نحن أعلم بما يقول هؤلاء المشركون مِن افتراء على الله وتكذيب بآياته، وما أنت -أيها الرسول- عليهم بمسلَّط; لتجبرهم على الإسلام، وإنما بُعِثْتَ مبلِّغًا، فذكِّر بالقرآن من يخشى وعيدي; لأن مَن لا يخاف الوعيد لا يذَّكر.
أقسم الله تعالى بالرياح المثيرات للتراب، فالسحب الحاملات ثقلا عظيمًا من الماء، فالسفن التي تجري في البحار جريًا ذا يسر وسهولة، فالملائكة التي تُقَسِّم أمر الله في خلقه. إن الذي توعدون به -أيها الناس- من البعث والحساب لكائن حق يقين، وإن الحساب والثواب على الأعمال لكائن لا محالة.


الصفحة التالية
Icon