﴿وَكَذلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً﴾ لتقرأوه وتفهموه ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم﴾ دينهم الذي يدينون به وفق هواهم ﴿بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ والبراهين الساطعة، والحجج الدامغة ﴿مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ﴾ ينصرك «من الله» ﴿وَلاَ وَاقٍ﴾ يقيك غضبه وعذابه.
هذا وكل ما جاء خطاباً للرسول عليه الصلاة والسلام؛ بلسان التهديد والوعيد: إنما أريد به أمته؛ إذ أنه من المعلوم أن الله تعالى أرسل رسله لهداية الخلق، وإبعادهم عن أهوائهم؛ لا أن يتبعوا ضلال المضلين، وأهواء الكافرين
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ﴾ كما أرسلناك ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً﴾ نساءً وأولاداً؛ كما جعلنا لك ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ﴾ منهم ﴿أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ﴾ معجزة ﴿إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ بأمره وإرادته؛ لا بإرادة الرسول، ولا برغبة قومه واقتراحهم ﴿لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾ أي لكل شيء موقت بوقت: أجل مكتوب محدد، أو لكل أجل من الآجال: وقت مكتوب لا يتعداه
﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَآءُ﴾ ينسخ ما يشاء نسخه} ما يشاء إثباته؛ مكان الذي نسخ، أو «يمحو» ذنب المذنبين إذا تابوا، وكفر الكافرين إذا آمنوا «ويثبت» لهم الحسنات، مكان السيئات.
والمحو والإثبات عام في الرزق، والأجل والسعادة، والشقاوة، فقد أخرج ابن سعد وغيره، عن الكلبي. أنه قال: يمحو الله تعالى من الرزق ويزيد فيه. ويمحو من الأجل ويزيد فيه. وقد ذهب شيخ الإسلام زكريا الأنصاري إلى صحة ذلك.
وقد ورد: أن الصدقة، وبر الوالدين وصلة الرحم: تنسأ في الأجل.
وقد كان عمر رضي الله تعالى عنه يقول وهو يطوف بالبيت: اللهم إن كنت كتبت عليّ شقوة أو ذنباً فامحه؛ واجعله سعادة ومغفرة؛ فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب. حتى القضاء الأزلي: يمكن محوه وتغييره؛ أليس هو الفعال لما يريد؟
وليس أدل على المحو والإثبات: مما جاء عن الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه في القنوت؛ فإن فيه: «وقني شر ما قضيت» ولا ينقلب الشر خيراً؛ إلا بمحوه وتغييره، وإثبات الخير مكانه.
ولولا جواز المحو والتبديل، وإمكانه: لأصبح الدعاء لغواً، لا طائل وراءه؛ وقد قال تعالى:
-[٣٠٤]- ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لا ينفع الحذر من القدر ولكن الله تعالى يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر ﴿وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ أصله الذي لا يتغير؛ وهو علم الله تعالى الأزلي اللدني؛ الذي لا يدركه محو، ولا تبديل، ولا تغيير (انظر آية ٢٢ من سورة البروج)


الصفحة التالية
Icon