﴿أَلاَّ تَتَّبِعَنِ﴾ أي أن تتبعني، و «لا» زائدة؛ مثل قوله تعالى: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ﴾ والمراد بالاتباع: اتباع سنته وطريقته؛ في محاربتهم والإنكار عليهم، أو المراد: تركه لهم في ضلالهم واتباع موسى
﴿قَالَ يابْنَأُمِّ﴾ لما رأى هرون ثورة موسى، وشدة غضبه، ومزيد تأسفه على ما حدث: ذكره بمركز الحنان، ومنبع الشفقة، وأساس الحب؛ قائلاً «يا ابن أم» لا تغضب عليّ، و ﴿لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي﴾ فإني لم أخطىء، ولم أقصد بما فعلت سوى الخير والصواب ﴿إِنِّي خَشِيتُ﴾ إن اتبعتك بمن أقام على الإيمان ولم يعبد العجل، أو حاربت المشركين بالمؤمنين ﴿أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ﴾ وجعلتهم أعداء وشيعاً ﴿وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾
لم تحفظ وصيتي، ولم تنتظر أمري. وقد قال له عند ذهابه لموعد ربه ﴿اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ﴾ وعندئذٍ ﴿سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ﴾ والتفت إلى موسى السامري
﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يسَامِرِيُّ﴾ أي ما شأنك؟ وما حقيقة أمرك؟
﴿قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ﴾ أي رأيت ما لم يروه. قيل: رأى جبريل عليه الصلاة والسلام على فرسه؛ فزينت له نفسه أن يأخذ من أثره؛ وهو معنى قوله تعالى: ﴿فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ﴾ قيل: أخذ قبضة من التراب الذي تحت حافر فرسه ﴿فَنَبَذْتُهَا﴾ ألقيتها على العجل المصاغ من ذهب ﴿وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ﴾ زينت ﴿لِي نَفْسِي﴾ فتحول غضب موسى عن هرون البريء؛ إلى المجرم موسى السامري
﴿قَالَ فَاذْهَبْ﴾ من أمامي، ولا تريني وجهك ﴿فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ﴾ أي إنه أصيب - بدعاء موسى عليه: عقوبة له - بأمراض خبيثة فتاكة معدية؛ جعلت الناس تهرب من مسه؛ فإذا مسه إنسان: حم، وأصيب بالأمراض التي ابتلى بها. وقيل: إنه جن وجعل ينادي ويقول: لا مساس، لا مساس. وقيل: أمر موسى بني إسرائيل بمقاطعته: فلا يكلمه منهم إنسان، ولا يعامله، ولا يقربه ﴿وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً﴾ للعذاب الأليم ﴿لَّن تُخْلَفَهُ﴾ يوم القيامة ﴿وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ﴾ العجل ﴿الَّذِي ظَلْتَ﴾ ظللت وداومت ﴿عَلَيْهِ عَاكِفاً﴾ على عبادته مقيماً ﴿لَّنُحَرِّقَنَّهُ﴾ لنذيبنه بالنار ﴿ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ﴾ البحر
﴿إِنَّمَآ إِلَهُكُمُ﴾ الحق: هو ﴿اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ أي وسع علمه كل شيء ﴿يَعْلَمُ مَا يَلْجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ﴾
﴿كَذلِكَ﴾ أي كما قصصنا عليك يا محمد من نبإ موسى وفرعون ﴿نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ﴾ من الأمم ﴿وَقَدْ آتَيْنَاكَ﴾ أعطيناك وأنزلنا عليك ﴿مِن لَّدُنَّا﴾ من عندنا ﴿ذِكْراً﴾ قرآناً
﴿مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ﴾ عن هذا القرآن؛ فلم يؤمن به ﴿فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً﴾ إثماً عظيماً، وحملاً ثقيلاً
﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ﴾
-[٣٨٥]- القرن؛ ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام بأمر ربه ﴿وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ﴾ الكافرين ﴿يَوْمِئِذٍ زُرْقاً﴾ أي سوداً. وقيل: عمياً. وليس بمستبعد أن يكون ذلك كما تفعله العامة والسوقة من تلطيخ وجوههم بالصبغ الأزرق عند حلول المصائب، وتوالي الكوارث، وأي كارثة أعم من ورودهم النار؟ وأي مصيبة أطم من غضب الملك الجبار؟ أما ما ورد من أن الزرقة تكون في عيونهم؛ فيأباه وصف ما هم فيه من خزي وعار وذلة وعذاب وقبح؛ فقد تكون زرقة العيون مدحاً لا قدحاً؛ فكيف يوصف بها أقبح الناس حالاً ومآلاً؟


الصفحة التالية
Icon