﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ الضر الذي مسه: هو ذهاب ماله، وموت أبنائه، ومرض أصابه. أما ما يرويه بعض المفسرين من أن الضر: هو مرض أتلف لحمه، وأذاب جسمه، وجعل الدود يتناثر منه فهو من أقاصيص اليهود، باطل مردود: لأن الأنبياء عليهم السلام لا يصح أن يصابوا بأمراض تشمئز منها النفوس، وتوجب النفرة منهم وقد يكون الضر هو المرض؛ ولكن ليس كما حكموا ووصفوا
﴿فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ﴾ أي وهبنا له ضعف ما فقده من الأولاد
﴿وَإِدْرِيسَ﴾ وهو من الأنبياء عليهم السلام؛ وهو اسم أعجمي، وليس مشتقاً من الدراسة كما توهم بعضهم. قيل: اسمه أخنوخ ﴿وَذَا الْكِفْلِ﴾ زعم بعضهم أنه بوذا: رئيس الملة البوذية؛ وقد تطرف أتباع بوذا من طاعته إلى عبادته؛ وعملوا له أصناماً لا تعد؛ دانوا بعبادتها، والخضوع لها؛ وما أشبههم بأصحاب عيسى: دعاهم إلىالله؛ فزعموا أنه هو الله ونفى عنه الولد؛ فقالوا: أنت المولود والولد وقيل: سمي بذي الكفل: لأنه كان متكفلاً بطاعة الله تعالى وعبادته، أو لأنه تكفل لملك زمانه بالجنة إن أسلم. وقيل: إنه زكريا؛ لأنه تكفل بمريم عليهما السلام. وهذا الرأي بعيد: لذكر زكريا عليه السلام بعد ذلك. والله تعالى أعلم بخلقه وأحكم ﴿كُلٌّ﴾ ممن ذكرنا من الأنبياء ﴿مِّنَ الصَّابِرِينَ﴾ على طاعة الله تعالى وعن معاصيه، وعلى ما يصيبهم في الحياة الدنيا من أحداث، وآلام، ومتاعب
﴿وَذَا النُّونِ﴾
النون: الحوت. أي وصاحب الحوت: وهو يونسبن متى عليه السلام ﴿إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً﴾ قومه، منصرفاً عنهم؛ بغير إذن من مرسله تعالى ﴿فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ أي تأكد أنا لن نضيق عليه؛ لقربه منا، واصطفائنا له. ولكنا أمرنا الحوت بالتقامه ﴿فَنَادَى﴾ نادانا ﴿فِي الظُّلُمَاتِ﴾ جمع ظلمة: وهي ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت ﴿أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ﴾ يعبد ويقصد ﴿سُبْحَانَكَ﴾ تعاليت وتنزهت ﴿إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ ما دعا داع بدعاء يونس عليه السلام: إلا فرّج الله همه، ودفع كربه، وأنجاه من كل بلية كيف لا؟ والله تعالى يقول
﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾ أجبنا دعاءه ونداءه ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾ الذي كان فيه؛ ولم يكن غمه قاصراً على التقام الحوت فحسب؛ بل كان جل همه وغمه: مظنة غضب الله تعالى عليه وقد ألهمه الله تعالى هذه الكلمات، لينجيه مما نزل به من الكرب والضيق ﴿وَكَذلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ نلهمهم ما يوصلهم إلينا، ونوفقهم إلى ما يقربهم منا
﴿رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً﴾ أي لا تتركني وحيداً بغير ولد يرثني
﴿وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ﴾ جعلناها صالحة للحمل بعد عقمها، أو صالحة الخلق بعد سوئها
-[٣٩٨]- ﴿وَيَدْعُونَنَا رَغَباً﴾ رغبة في رحمتنا ﴿وَرَهَباً﴾ رهبة من عذابنا