﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ حفظته من الزنا: وهي مريم عليها السلام ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا﴾ أمر تعالى جبريل عليه السلام فنفخ في جيب درعها، فحملت بعيسى عليه الصلاة والسلام ﴿وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَآ آيَةً﴾ دلالة واضحة على قدرتنا
﴿وَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ﴾ أي فرقوا أمر دينهم، واختلفوا فيما بينهم
﴿فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ لأن الصالحات بغير إيمان: لا اعتبار لها، ولا اعتداد بها ﴿فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ﴾ أي فلا جحود لعمله؛ بل نثيبه عليه
﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ﴾ أي ممتنع على أهل قرية أهلكناهم ﴿أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ أي لا يعادون إلينا يوم القيامة؛ للحساب والجزاء؛ لأن عذابهم في الدنيا لا يعفيهم من عذاب الآخرة الموعود
بيّن تعالى أن من يعمل من الصالحات وهو مؤمن: فلا كفران لسعيه؛ وأن له الحظ الأوفر، والنعيم الأكبر وأعقب ذلك بأن الكفار الذين عذبهم في الدنيا، وأهلكهم بذنوبهم: لا بد من إرجاعهم وإعادتهم في الآخرة لمحاسبتهم على ما أتوه، ومعاقبتهم على ما جنوه أو أنهم «لا يرجعون» إلى الدنيا كما طلبوا في قولهم «رب ارجعون» «فارجعنا نعمل صالحاً»
﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ﴾ يفتح السد الذي أقامه ذو القرنين بيننا وبينهم؛ وذلك قبيل يوم القيامة ﴿وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ﴾ مرتفع من الأرض. وقرىء «جدث» وهو القبر ﴿يَنسِلُونَ﴾ يسرعون
﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ﴾ يوم القيامة ﴿فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ مرتفعة الأجفان؛ لا تكاد تطرف من هول ما هم فيه ﴿إِنَّكُمْ﴾ أيها الكافرون ﴿وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ غيره من الأصنام ﴿حَصَبُ﴾ حطب ﴿أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ فيها داخلون. لما نزلت هذه الآية: فرح المشركون، وضجوا بالضحك؛ وقالوا: لقد عبد النصارى عيسى، وعبد اليهود عزيراً، وعبد بعض العرب الملائكة: فعيسى وعزير والملائكة في النار. فنزل قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ ولو فطن المعاندون إلى دقة التعبير في قوله تعالى:
﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ﴾ ولم يقل: ومن تعبدون؛ ومن المعلوم لغة أن «ما» لما لا يعقل، وأن «من» لا تطلق إلا على العقلاء
﴿لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ﴾ الأصنام ﴿آلِهَةً﴾ كما زعمتم ﴿مَّا وَرَدُوهَا﴾ ما دخلوا جهنم
﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ﴾ أنين وبكاء وعويل
﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى﴾ وهم الذين وعدوا بالعفو والمغفرة؛ لما قدموه من إيمان صادق، وعمل صالح
﴿لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا﴾ صوتها
﴿لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ﴾ الذي يعم سائر العصاة والمشركين؛ مما يرونه من مظاهر الشدة والبطش والقسوة ﴿وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ﴾ مرحبين بهم، قائلين لهم: ﴿هَذَا يَوْمُكُمُ
-[٣٩٩]- الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ به في الدنيا