سورة الروم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿الم﴾ (انظر آية ١ من سورة البقرة)
﴿غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ غلبتها الفرس: ففرح كفار مكة بذلك؛ لأن الفرس كانوا يعبدون الأصنام مثلهم
﴿فِي أَدْنَى الأَرْضِ﴾ أقربها إلى فارس، وإلى بلاد العرب. قيل: كانت موقعتهم بالشام ﴿وَهُمْ﴾ أي الروم ﴿مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ﴾ أي بعد غلبة فارس {سَيَغْلِبُونَ *
فِي بِضْعِ سِنِينَ} البضع: ما بين الثلاث إلى التسع. وقد التقى الجيشان في السنة السابعة من اللقاء الأول؛ وغلبت الروم فارس: مصداقاً لقول العزيز الكريم ﴿لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ﴾ فهو وحده الذي قدر هزيمة الروم «من قبل» وقضى بنصرتهم «من بعد» ﴿وَيَوْمَئِذٍ﴾ يوم نصرة الروم على الفرس ﴿يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ لأن الروم أهل كتاب؛ فهم بالمؤمنين أشبه، وإلى قلوبهم أقرب. أما الفرس فقد كانوا من عبدة الأوثان ككفار مكة
﴿يَنصُرُ مَن يَشَآءُ﴾ نصره - ولو كان ضعيفاً - ويكبت من يشاء كبته - ولو كان قوياً - ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾
﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ أي يعلم الكفار ما يحتاجون إليه في الدنيا من أمور المعايش: كالزراعة، والصناعة، والتجارة، ونحو ذلك. ولا يزالون حتى الآن متقدمين في شتى العلوم والفنون - مصداقاً لهذه الآية الكريمة - فقد تقدموا تقدماً كبيراً في استخدام القوى الكهربائية، والطاقة الذرية، وفنون الطيران واللاسلكي، والميكانيكا، وغيرها ﴿وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ﴾ وما يوصل إليها: من قول وعمل ﴿هُمْ غَافِلُونَ﴾ فلا يؤمنون بخالقهم، ولا يدينون برازقهم
﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِي أَنفُسِهِمْ﴾ كيف أنشأناهم وأبدعنا صورهم؟ وكيف سويناهم وخلقنا عقولهم؟ وكيف هديناهم إلى ما يصلحهم؟ أو ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ﴾ فيما بينهم وبين «أنفسهم» ﴿مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ﴾
وما فيها من كواكب وأملاك، وأنجم وأفلاك، ومخلوقات جمة؛ لا يحصيها، ولا يعلمها إلا خالقها ومبدعها ما خلق الله ﴿الأَرْضِ﴾ وما فيها من بحار وأنهار، وجبال وأشجار، ونبات وحيوان ﴿وَمَا بَيْنَهُمَآ﴾ مما لا يعد ولا يحد ﴿إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾ إلا لإقامة الحق والعدل ﴿وَأَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ أي وبقاؤها لأجل مسمى ﴿وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ﴾ رغم هذه الدلالات الواضحات على قدرة الله تعالى ووحدانيته ﴿بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ﴾ لا يؤمنون بالبعث والحساب