سورة المزمل

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


﴿يأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾ المتلفف بثيابه؛ وهو كقوله تعالى: ﴿يأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ وإنما ناداه تعالى بذلك - تدليلاً له - قبل أن يلقي إليه بالأمر الذي يشتم منه رائحة التقصير؛ وذلك كقوله تعالى: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ وهو لوم شديد؛ لو لم يسبق بالتدليل: «عفا الله عنك» لانخلع قلب الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه
﴿قُمِ الْلَّيْلَ﴾ عابداً ربك، مصلياً له، متبتلاً إليه ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾ من الليل؛ فاجعله لحاجتك وراحتك؛ وليكن هذا القليل
﴿نِّصْفَهُ﴾ أي نصف الليل ﴿أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً﴾ أي من ذلك النصف المجعول لراحتك
﴿أَوْ زِدْ عَلَيْهِ﴾ قليلاً أيضاً؛ وبذلك يكون المطلوب من سيد الخلق: ألا يزيد القيام عن الثلثين، ولا ينقص عن الثلث ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ﴾ أي اقرأه بتؤدة وتمهل، وتبيين، وتفهم.
وقد زعم بعض القراء - أثابهم الله تعالى - أن معنى ذلك ما يتبعونه من غنَ بلغ مبلغ طنين الذباب، ومد تجاوز حد الصواب، وتسهيل بلغ حد التثقيل، وسكتات فيها كثير من الهنات؛ إلى غير ذلك من إدغام وإشمام، وإخفاء واستعلاء، وإمالة وإشالة. وقد رددناه على هذه المزاعم في كتابنا «الفرقان»
﴿إِنَّا سَنُلْقِي﴾ سننزل ﴿عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً﴾ هو القرآن الكريم؛ لما فيه من الأوامر والنواهي؛ التي هي - في نفسها - تكاليف شاقة؛ ثقيلة على المكلفين. أو «قولاً ثقيلاً» على الكافرين. أو المراد: إنه كلام موزون راجح؛ ليس بالسفساف، ولا بالهذر، ولا باللغو ﴿عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً﴾ قيامه للعبادة، وقراءة القرآن فيه
﴿هِيَ أَشَدُّ وَطْأً﴾ أي أعظم أثراً، وأجزل نفعاً: لحضور الذهن، وموافقة السمع للقلب. أو إنها أثقل على المصلي من صلاة النهار. وما بعده يؤيد المعنى الأول ﴿وَأَقْوَمُ قِيلاً﴾ أي أسدّ مقالاً، وأثبت قراءة؛ لهدوء الأصوات، وانقطاع الحركات
﴿إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً﴾ تصرفاً لمعاشك، وتقلباً في مهماتك؛ فلا تستطيع أن تتفرغ للعبادة تفرغاً تاماً كاملاً؛ فعليك بها بالليل
﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً﴾ أي انقطع إلى عبادته، ولا يشغل قلبك سواه: فإذا ما عملت عملاً ظاهره طلب الدنيا؛ فليكن باطنه مرضاة الرب سبحانه، والتقرب إليه والتبتل: رفض الدنيا، والتماس الآخرة. وقد كان الحبيب المحبوب صلوات الله تعالى وسلامه عليه لا يعمل عملاً دنيوياً إلا كان مقصده منه إرضاء مولاه، والتبتل إليه، وطلب الزلفى منه. وقد كان
-[٧١٧]- يدخل ضمن العبادات ما يتخذه الناس للملذات والشهوات (انظر مبحث تعدد الزوجات بآخر الكتاب)


الصفحة التالية
Icon