سورة التين
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ﴾ الطور: الجبل. وقصد به هنا: الجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى و «سينين» و «سيناء» شجر. و «سينا» جبل بالشام. وقيل: «طور سينا» جبل بين مصر والعقبة
﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ﴾ مكة زادها الله تعالى علواً وشرفاً وسميت بالبلد الأمين: لأمان من يدخلها.
قيل: إن في هذا تقسيم لتاريخ هذا العالم منذ نشأته؛ إلى أربعة أقسام؛ وأقسم بكل قسم منها: لأهميته في تاريخ البشر عامة؛ فالتين: إشارة إلى القسم الذي بدأ من خروج آدم من الجنة إلى وقت الطوفان؛ وذلك لأن آدم وحواء استترا - حين بدت لهما سوءاتهما - بورق التين. والزيتون: إشارة إلى القسم الذي بدأ من الطوفان إلى ظهور الأديان الحديثة؛ ببعثة موسى عليه السلام؛ وذلك لأن نوحاً عليه السلام - حينما استوت سفينته على الجودي - زرع شجرة الزيتون؛ لغذائه منه، وغذاء ماشيته من ورقه، والاستضاءة بزيته. وطور سينين: إشارة إلى القسم الذي بدأ ببعثة موسى عليه السلام إلى ظهور الإسلام، ومجيء سيد الرسل عليه الصلاة والسلام؛ وذلك لأن موسى ناجى ربه وكلمه عليه. والبلد الأمين: إشارة إلى القسم الذي بدأ برسالة خاتم النبيين محمد إلى يوم تقوم الساعة؛ وذلك لأن مكة عظمها الله تعالى: هي مولد الرسول عليه الصلاة والسلام ومبعثه، ومصدر الإسلام ومنبعه، وفيها بيت الله الحرام وقبلة سائر المسلمين
وفي الإقسام بالتين والزيتون: إعلاء لشأنهما، ولفت لما فيهما من منافع تجل عن البيان والحصر. فالتين: مقو للقلب والدم، مسمن، ملين، وهو يقطع البواسير، ويعالج الأمراض الروماتيزمية، ويدفع النقرس. والزيتون: مفتت للحصى؛ مقو للصدر، طارد للبلغم؛ وهذا بعض مزاياهما، وقل من كثر من منافعهما. وقال بعضهم: المراد بالتين والزيتون: منابتهما. فالتين: دمشق. والزيتون: بيت المقدس. وقيل: «التين والزيتون»: إشارة إلى نبوة عيسى «وطور سينين» إشارة إلى نبوة موسى عليهما السلام. و «البلد الأمين» إشارة إلى نبوة محمد
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ في أحسن تصوير؛ حيث خلقه تعالى مستوي القامة، متناسب الأعضاء، متصفاً بالعلم والفهم
﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾
-[٧٥٦]- أي حيث إنه لم يشكر نعمة خلقنا له في أحسن تقويم، ولم يستعمل ما خصصناه به من المزايا في طاعتنا ومرضاتنا: سنرده في أسفل سافلين؛ وهي جهنم. نعوذ ب الله تعالى منها. ويحتمل أن يكون المعنى: رددناه إلى الكبر والهرم؛ اللذين هما مظهر الضعف والخرف. والمعنى الأول أدق؛ لقوله تعالى: