﴿وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾ قيل: إنه الليل إذا دخل؛ لما يتبع ذلك من الشرور، والإجرام، والفتك. وقيل: إنه الثريا إذا سقطت؛ لما يتبع سقوطها من الأسقام والطواعين. أو هو القمر إذا انخسف؛ لأنه من علائم الجدب والقحط، أو انخسافه يوم القيامة؛ حيث لا يوجد على ظهرها مؤمن. وقيل: الغاسق إذا وقب: الأير إذا قام؛ وكم في ذلك من بلاء كبير، وشر مستطير وهذا القول مروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما
﴿وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ المراد هنا: النمامون، الذين يقطعون روابط الألفة، وحبال المحبة؛ بما ينفثونه من سموم نمائمهم. شبههم تعالى بالسحرة المشعوذين؛ الذين إذا أرادوا أن يحلوا عقدة المحبة بين الرجل وزوجه: عقدوا عقدة ثم نفثوا فيها وحلوها؛ ليكون ذلك حلاً للعقدة التي بين الزوجين، أو بين المتحابين.
والنميمة تشبه أن تكون ضرباً من ضروب السحر؛ لأنها تحول ما بين الصديقين من محبة إلى عداوة ولما كانت النميمة على هذا الجانب العظيم من الخطورة: علمنا الله تعالى أن نلجأ إليه، ونعوذ به منها. أما ما رواه بعض المحرفين المخرفين - في تأويل هذه الآية - من أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد سحره لبيد بن الأعصم، وقد أثر سحره فيه؛ حتى أنه كان يخيل إليه أنه يأتي الشيء وهو لا يأتيه؛ فهو باطل مردود ممجوج؛ إذ ما أشبه هذا بقول المشركين فيه: «إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً» ولا يبعد أن من خولط في عقله بدرجة أنه كان يخيل إليه أنه يأتي الشيء وهو لا يأتيه: أن يخيل إليه أيضاً أنه يوحى إليه، ولم يوح إليه، أو أنه قد بلغ ما أوحي إليه ولم يبلغ وفضلاً عن هذا فإن هذه السورة مقطوع بمكيتها، وما يزعمونه من السحر يقولون: إنه وقع بالمدينة. وبالجملة فإن هذا واضح البطلان، بادي الخسران لا يلتفت إليه، ولا يعول عليه
﴿وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ الحاسد: الذي يتمنى زوال نعمة الغير؛ ومن طبيعة الذي يتمنى زوال النعمة: أن يجتهد في إيصال الأذى، وتدبير المكائد؛ بكافة الوسائل، وسائر السبل. وجدير بمن هذا شأنه أن يلجأ الإنسان منه إلى قوة عظيمة يستعين بها على دفع أذاه؛ ومن أعظم من الله في دفع الأذى، وحماية من يحتمي به؟
أما ما يروونه في الحسد من أنه هو التأثير بنفس العين المجردة، فهذا ما لا أظنه ولا أعتقده - رغم تواتره، وكثرة وقوعه - وقد يكون من بعض الخرافات السائدة. وقد يؤثر السحر على بعض النفوس الضعيفة القلقة.
سورة الناس

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾
ألجأ إليه وأستعين به. ورب الناس: مربيهم
﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾ الذي يحكمهم، ويرعى مصالحهم، ويضبط أعمالهم، ويدبر شؤونهم
﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾ معبودهم، الذي لا إله غيره
﴿مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ﴾ الذي يلقي حديث السوء في النفس؛ وهو الشيطان ﴿الْخَنَّاسِ﴾ الذي يوسوس إلى الإنسان؛ فإن لم يجد عنده استعداداً لوسوسته: رجع عنها وأعاد الكرة ثانية بعد برهة. وهو من خنس: إذا رجع
﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾ أي إن الشياطين قسمان: من الجن، ومن الإنس، ولا شك أن شياطين الإنس أشد فتكاً وخطراً من شياطين الجن. (أنظر آيتي ١١٢ من سورة الأنعام، و٢٩ من فصلت).


Icon