وَمِنْ سُورَةِ (الذَّارِيَاتِ)
قوله تعالى: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨))
يسأل عن نصب (قَلِيلًا)؟
وفيه وجهان:
أحدهما: أنّه نعت لمصدر محذوف تقديره: هجوعاً قليلًا من الليل ما يهجعون
، فعلى هذا الوجه تكون (ما) زائدة، و (يَهْجَعُونَ) خبر (كانوا)، والتقدير: كانوا يهجعون هجوعاً قليلًا.
والوجه الثاني: أن يكون (قليلاً) خبرًا لكانوا. والمعنى: كان هَؤُلَاءِ قليلًا، ثم قال: من الليل ما يهجعون، أي: ما يهجعون شيئًا من الليل.
فعلى الوجه الأول يهجعون هجوعًا قليلًا، وعلى القول الثاني لا يهجعون ألبتة.
والهجوع: النوم. وهو قول ابن عباس وإبراهيم والضحاك، والأوّل قول الحسن والزهري.
و (ما) في القول الأول صلة. وفي القول الثاني نافية، وقيل (ما) مصدرية، والتقدير: كانوا قليلًا هجوعهم، وقدَّر بعضهم (قليلا) نعتًا لظرفٍ محذوف، أي: كانوا وقتًا قليلًا يهجعون، وكلُّ محتمل. قال قتادة: لا ينامون عن العتمة ينتظرونها لوقتها؛ كأنّه عدَّ هجوعهم قليلًا في جانب يقظتهم للصلاة، ولا يجوز أن تُجعل (ما) نفيا وينصب بها (قليلاً)؛ لأنَّ ما بعد النفي لا يعمل فيما قبله.


الصفحة التالية
Icon