الإيمان لَا أن يكفروا، ثم وجه إليهم ذلك الاستفهام الإنكاري (لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ) أي لقد كفرتم بآيات الله وبيناته الدالة على صدق الرسالة المحمدية وعندكم علم بها، وأنتم تعلمون صدقها، فالآيات هنا هي آيات نبوة محمد - ﷺ -، وهي القرآن الكريم، وما اشتمل عليه، والاستفهام لإنكار هذا الواقع الذي وقع منهم وهو الكفر مع قيام دلائله. ولقد أكد سبحانه وتعالى الاستنكار بقوله تعالى:
(وَأَنتمْ تَشْهَدُونَ) أي وأنتم تعلمون صدق الرسول علما يقينيا كعلم المشاهدة والعيان، بما أخبر به في كتابكم، أو: وأنتم تشهدون كل يوم الدلائل الصادقة التي تثبت الرسالة المحمدية. ، ولكن اليهود والنصارى الذين عاصروا النبي - ﷺ - ما كانوا يكتفون بالكفر، بل كانوا يحاولون أن يلبسوا الحق بالباطل، ليفسدوا الإيمان على أهله؛ ولذا قال سبحانه:
* * *
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٧١)
* * *
صدَّر النداء هنا بـ " أهل الكتاب " زيادة في التوبيخ، وكل توبيخ لهم يُعد قليلا مهما يتكاثر وتترادف عباراته، والاستفهام هنا إنكاري لإنكار ما وقع منهم؛ ذلك بأنهم لبسوا وخلطوا الحق بالباطل، وكتموا الحق الذي يشهد لمحمد - ﷺ - بالصدق وهم يعلمون به، فكان الاستفهام للتوبيخ على هذا الذي وقع منهم؛ فقد وقع منهم أمران، وثبت فيهم أمر ثالث:
أما الأمر الأول: فهو خلط الحق بالباطل، بأن حاولوا أن يزيفوا الحق، فألبسوه ثوب الباطل، وأظهروه بمظهره إمعانا منهم في التضليل. وقد فسر الكثيرون كلمة " تلبسون " بمعنى تخلطون، وهي في المؤدى كذلك، ولكن لابد أن يلاحظ معنى الستر واللباس في الكلمة، ذلك بأنهم جاءوا إلى الحق المبين فألبسوه ثوب الباطل ليُسْتَبْهَم؛ ولقد قال في هذا المعنى الأصفهاني: أصل اللبس ستر الشيء، ويقال ذلك في المعاني، يقال لبست عليه أمره، قال: (وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبسُونَ)، وقال: (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ...).