ثم بين سبحانه وتعالى سعة فضله وجليل حكمته، وإحاطة علمه، فقال عز من قائل:
(وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) أي أن رحمة الله تعالى واسعة، وفضله عظيم، لا يكون لقبيل دون قبيل، وإن تعدد من يؤتون فضلا لَا يغض من قدر الفضل عند غيرهم، فالذين يريدون أن يحتكروا الهداية، أو يحتكروا بينهم وفي أوساطهم رسالة الله إلى أهل الأرض، إنما يُضيِّقون واسعا، ويحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله من غير أن يعود عليهم من هذا الحسد شيء. ووصف سبحانه وتعالى ذاته بأنه واسع مع أن الظاهر سعة فضله؛ لبيان أن شمول فضله شأن من شئونه سبحانه، يظهر آثاره في خلقه، فما من شيء في هذا الوجود إلا وهو بفضله سبحانه وتعالى.
وقد اقترن وصف السعة هنا بوصف العلم، للإشارة إلى أن فضله تعالى هو على مقتضى علمه، فهو يعطي من يشاء بمقتضى فضله وعلمه، فما من شيء يكون من الله تعالى لعباده إلا بميزان، وكل شيء عند ربك بمقدار؛ وإنه بمقتضى هذا يختص هذا برحمته، ويختص آخر بنوع آخر؛ ولذا قال سبحانه وتعالى:
* * *
(يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٧٤)
* * *
اختص تستعمل لازمة ومتعدية، فيقال اختصه الله بفضله، ويقال اختص بفضل الله، والله سبحانه وتعالى بمقتضى علمه وحكمته يختص برحمة معينة من رحماته خلقا من خلقه، فقد يقول قائل إن كل من في الوجود في رحمة الله تعالى، ما من أحد من خلق الله تعالى إلا ناله نصيب من رحمة الله، ومنهم من يشكر، ومنهم من يكفر، فَلمَ عبر سبحانه وتعالى بهذا الاختصاص، ولا عام أعم من رحمة الله، ولا عموم إلا في فضل الله تعالى؟.
والجواب عن ذلك أن الرحمة التي يختص الله تعالى بعض عباده بها هي الرحمة النوعية، فيختص سبحانه هذا بالعلم، وذلك بالمال، وهذا بالجاه، وذلك