(سُورَةُ الْمَائِدَةِ)
تمهيد
هذه سورة المائدة جاءت بعد سورة النساء، وسميت سورة المائدة لأنها اشتملت في آخرها على طلب الحواريين من عيسى ابن مريم - عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم - أن ينزل عليهم ربهم مائدة من السماء، واستجاب عيسى عليه السلام لما طلبوا فطلب من الله تعالى قائلا كما أخبر القرآن الكريم عنه: (... اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عيدًا لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).
وقد نزلت بعد فتح مكة، وهي سورة مدنية، وإن قال الأكثرون: إن آية: (... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا...) إنها نزلت والنبي - ﷺ - واقف بعرفات، في حجة الوداع؛ لأنها نزلت على أي حال بعد الهجرة.
وهي من آخر القرآن نزولا، وقد اشتملت على أحكام شرعية كثيرة، وابتداؤها يدل على ما فيها، فقد ابتدأت بوجوب الالتزام بالتكليفات التي كلف الله عبيده إياها، وما يعقده العبد مع الناس، ثم أردفت ذلك ببيان الحلال من الذبائح، والحرام منها، مع الإشارة إلى تحريم الصيد في الحرم من المحرمين، واحترام الشعائر في الحج.
ثم أشارت من بعد ذلك إلى تمام الشرع الإسلامي، وكماله، وتكلمت السورة الكريمة من بعد ذلك في العلاقات بين المسلمين وأهل الكتاب من الناحية الشخصية، وإباحة ذبائحهم، وحل نسائهم.