الخبر، ويكون ويذوقون عذاب الحريق، وعبر سبحانه وتعالى عن إصابة العذاب لهم بقوله: (وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) للإشارة إلى أن العذاب لَا يكون إلا بالإحساس به، فهم في إحساس دائم به، يذوقونه ويحسون به، وكلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب.
والحريق هو النار المحترقة التي لَا يطيقها إحساس محس إلا أن يكون عذابا.
وإن التعبير بقوله: (وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) لَا يخلو من تهكم بهم؛ لأنهم فسقوا وذاقوا من الهوى ما ذاقوا، فكأنه يقال لهم: كما ذقتم المتع والشهوات، فذوقوا الحريق، وكأنَّه يبشرهم.
وقد قال بعض المفسرين: إن ذكر ضرب الوجوه، وضم الأدبار إليهم تذكير لهم بشهوتهم التي كانوا منغمسين فيها وأنهم يضربون فيها، كما وقعوا في المفاسد بها والله تعالى أعلم.
وقد بين سبحانه وتعالى عذابه مربوطا بسببه فقال:
(ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٥١)
الإشارة إلى ما سينزله الله بالذين كفروا، من العذاب الشديد والعذاب الأليم، والباء للسببية والمعنى العذاب الشديد بسبب ما قدموا من إيذاء للمؤمنين، ومعانة لرب العالمين، وجحود بالآيات وتكذيب لكتاب الله ورسله، وعبر سبحانه وتعالى عن ذنوبهم التي تضافرت وتكاثرت بقوله: (بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) مع أن الذنوب تكون بالألسنة وقول الباطل كما تكون بالأيدي؛ لأن الأيدي بها البطش الظاهر، وبها أوذي المؤمنون، وبها نكل بالضعفاء، وحملها للأسلحة في الحروب، وإن التعبير عن الكل باسم الجزء مجاز مرسل مشهور، إذا كان للجزء مكانة خاصة في الحكم، كقولهم عن الجاسوس: العين؛ لأن العين لها مظهر خاص في التجسس.


الصفحة التالية
Icon