غير مكررة، وما يذكر في مكان يترك في مكان آخر، وفي كل مكان كانت عبرة قائمة بذاتها يذكر لها جزء من القصة، لتفرد كل عبرة في موضع، فيكون التجدد والتنبيه المستمر والعبرة، استعداد موسى للقاء فرعون، واللقاء بين نبي اختصه الله تعالى بأن كلَّمه تكليما، وأكبر الطغاة الذي تشبه به كل طاغية في الأرض، وآخرهم من رأينا في مصر، الذي أجرى الله مراحيض مصر على جثمانه النجس، ويصور هذا الجزء استدرار الطغاة لعاطفة مخالفيهم، ثم استبداده من بعد أن يغلب كما رأينا في معاملته للسحرة، الذين قال لهم: (قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ...) وقطع أيديهم وأرجلهم.
بعد ذلك ترك المجادلات واتجه القرآن الكريم إلى نهاية الطاغوت في الأرض وإغراق صاحبه:
(وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا).
أوحى الله تعالى إلى نبيه موسى (أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي)، " أنْ " هنا تفسيرية، أي أن الإيحاء كان هو قوله: أَسْرِ بِعِبَادِي، الإسراء: السير ليلا، وكأنَّهم خرجوا على استخفاء من فرعون خشية أن يبادرهم بالإيذاء، ولكنه علم بهم، فلحقهم بجنوده، وأمر الله تعالى موسى أن يخط لهم طريقا يبسا جافا من الماء؛ ولأن خط هذا الطريق كان بالضرب بالعصي التي بيده دائما - عبَّر عن الأمر بالتخطيط بالضرب، وقد جاء في سورة الشعراء (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦).
وفي هذه الآية أكد سبحانه وحيه لموسى بـ " اللام " و " قد "، وقولِهِ تعالى: (يَبَسًا) مصدر هو وصف للطريق الذي أمر موسى به، وهو مصدر من يبس.
وقد طمأن الله موسى ومن معه من بني إسرائيل الذين سماهم عباده؛ لأنه لخصهم من فرعون وأهواله، طمأنهم بقوله تعالى: (لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى)