وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (١١٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١١٦)
(وما يفعلوا من خير) أيّ خير كان (فلن يكفروه) أي لن تعدموا ثوابه كأنه قيل فلن تحرموه كما قاله الزمخشري، بل يشكره لكم ويجازيكم به، وفيه تعريض بكفرانهم نعمته وأنه تعالى لا يفعل مثل فعلهم، وجيء به على لفظ المبني للمفعول لتنزيهه عن إسناد الكفر إليه، وقرىء بالياء التحتيه في الفعلين.
(والله عليم بالمتقين) أي كل من ثبتت له صفة التقوى؛ وقيل المراد من تقدم ذكره وهم الأمة الموصوفة بتلك الصفات، ووضع الظاهر موضع المضمر مدحاً لهم، ورفعاً من شأنهم، وفيه بشارة لهم بجزيل الثواب، ودلالة على أنه لا يفوز عنده إلا أهل الإيمان والتقوى.
(إن الذين كفروا) قيل هم بنو قريظة والنضير، قالى مقاتل: لما ذكر تعالى مؤمني أهل الكتاب ذكر كفارهم في هذه الآية، وقيل نزلت في مشركي قريش فإن أبا جهل كثير الإفتخار بالأموال، وأنفق أبو سفيان مالاً كثيراً في يومي بدر وأحد على المشركين، والظاهر أن المراد بذلك كل من كفر بما يجب الإيمان به لأن اللفظ عام، ولا دليل يوجب التخصيص فوجب إجراء اللفظ على عمومه.
(لن تغني) أي لن تدفع (عنهم أموالهم) بالفدية ولو افتدوا بها من عذاب الله (ولا أولادهم) بالنصر، وإنما خص الأولاد لأنهم أحب القرابة وأرجاهم لدفع ما ينوبهم (من الله شيئاً) أي لا ينفعهم شيء من ذلك في الآخرة ولا مخلص لهم من عذاب الله، وخصهما بالذكر لأن الإنسان يدفع عن نفسه تارة بفداء المال، وتارة بالاستعانة بالأولاد (وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) لا يخرجون منها ولا يفارقونها.