يكفي أن يقال ولا يعلم الله جهادكم كناية عن معنى ولا تجاهدوا للمبالغة في بيان انتفاء الوصف وعدم تحققه أصلاً انتهى، ولما بمعنى لم عند الجمهور، وفرق سيبويه بينهما فجعل لم لنفي الماضي، ولما لنفي الماضي والمتوقع، ففيه إيذان بأن الجهاد متوقع منهم فيما يستقبل إلا أنه غير معتبر في تأكيد الإنكار.
ْ (ويعلم الصابرين) الواو للجمع قاله الخليل وغيره، وقال الزجاج بمعنى حتى، وقال الزمخشري للحال، والمعنى أم حسبتم أن تدخلوا الجنة والحال أنه لم يتحقق منكم الجهاد والصبر أي الجمع بينهما وفي الآية معاتبة لمن انهزم يوم أحد.
والخطاب في قوله
(ولقد كنتم تمنّون الموت) لمن كان يتمنى القتال والشهادة في سبيل الله ممن لم يحضر يوم بدر فإنهم كانوا يتمنّون يوماً يكون فيه قتال، فلما كان يوم أحد انهزموا مع أنهم الذين ألحّوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالخروج ولم يصبر منهم إلا نفر يسير مثل أنس ابن النضر عم أنس بن مالك.
وقد ورد النهي عن تمني الموت فلا بد من حمله هنا على الشهادة يعني حالة الشهداء من رفع المنزلة في الجنة وغير ذلك، ويكون المراد بالموت هنا ما يؤول إليه لا نفس الشهادة لأنها مستلزمة لتمني الموت وغلبة الكفار.
وعلى هذا التأويل يزول الإشكال لأن من طلب الجنة لا يقال أنه تمنى الموت، قال القرطبي: وتمنّي الموت من المسلمين يرجع إلى تمني الشهادة المبنية على الثبات والصبر على الجهاد لا إلى قتل الكفار لهم لأنه معصية وكفر، ولا يجوز إرادة المعصية وعلى هذا يحمل سؤال المسلمين من الله أن يرزقهم الشهادة فيسألون الصبر على الجهاد وإن أدى إلى القتل.
(من قبل أن تلقوه) أي القتال أو الشهادة التي هي سبب الموت أو العود على العدو، والجمهور على كسر لام من قبل لأنها معربة لإضافتها إلى أن